كتاب العطاء الحضاري للإسلام

تأليف : محمد عمارة

النوعية : العلوم الاسلامية

كتاب العطاء الحضاري للإسلام بقلم محمد عمارة..هذا الكتاب (العطاء الحضاري للإسلام) لمؤلفه المفكر الإسلامي د.محمد عمارة، يعد من أهم الكتب التي تغوص في أعماق الفكر الإسلامي، لاستخراج الكنوز التي تضمنتها الشريعة الإسلامية في مختلف أطوارها ومراحلها.



لقد عمد - المؤلف - إلى الوقوف على المحطات الرئيسة التي انطلق منها الفقهاء والعلماء والمفكرون الإسلاميون الذين يطلق عليهم «المجددون» الذين ينفضون عن كاهل الإسلام كل ما يعلق به من أوشاب المفاهيم وأخطاء التأويل من غلاة الفكر والرأي.
لقد استطاع المؤلف أن يعرض من خلال هذا الكتاب بعض جوانب العظمة والتألق والإبداع الذي رافق مسيرة الحضارة الإسلامية منذ مولدها.. وكيف أفاء الإسلام على البشرية بمبادئ الحق والعدل والخير الذي لم تعرف البشرية مثله أبدا، فالأمة الإسلامية- كما يقول المؤلف- هي النموذج الأسمى في العمل الخيري، وفي العقلانية المؤمنة التي تؤمن بالتنوع والتعدد والاختلاف.

في البداية، يشير المؤلف إلى أن أمتنا وُلدتْ من بين دفتي «القرآن الكريم» الذي انبثقت منه «الجوامع الخمسة» التي بلورتْ هذه الأمة ووحّدتها وميّزتها عبر تاريخها الطويل، هذه الجوامع هي «العقيدة والشريعة والحضارة ووحدة الأمة ودار الإسلام» ومن القرآن الكريم تبلورتْ منظومة القيم والثوابت التي أصبحت معايير إسلامية الأمة وإسلامية الدولة وإسلامية الحضارة وإسلامية الحياة.
ولهذه الحقيقة تجاوز الإسلام حدود الدعوة الدينية إلى حيث أصبح أمة ودولة وحضارة منذ فجر ظهوره ولحظة انبثاق نور القرآن الكريم.. ولأن الإسلام هو خاتم الوحي والنبوات والرسالات.. كان القرآن- ولا يزال الحصن الذي يحمي مقومات الأمة الخاتمة من عاديات التحديات.

واجبات شرعية

وحول العطاء الحضاري للإسلام في مجال «حقوق الإنسان» يؤكد د.عمارة أن المسلمين عرفوا مبدأ حقوق الإنسان قديماً، ومارسوه لا كمجرد حقوق للإنسان، وإنما كفرائض إلهية وتكاليف وواجبات شرعية، لا يجوز للإنسان أن يتنازل عنها أو يفرط فيها حتى بمحض اختياره إنْ هو أراد!

جوانب التشريع الإسلامي

يقول د.عمارة: إن الدعوة الشاملة للإسلام تعني أنه دين ودنيا، دنيا وآخرة، ومنهاج شامل لتدبير ملكات الروح والجسد، وشؤون الفرد والأمة والإنسانية، وسياسة الدولة والاجتماع، وتقديم منظومة للقيم تحكم سائر شؤون الحياة.
وفيما يتعلق بالجانب العقدي والشعائري والروحي، لم يجادل أحد في استمرارية حيوية الإنسان في ميادينه، بأكثر مما هي في الشرائع الدينية الأخرى، فحتى عندما تراجعت أو عُزلتْ حاكمية الشريعة الإسلامية عن بعض ميادين الدولة والاجتماع والسياسة والاقتصاد-خاصة في ظل الاستعمار الغربي لأغلب أوطان عالم الإسلام- فلقد ظل الجانب العقدي والشعائري والقيمي قوي التأثير والجاذبية في حياة المسلمين.. وجاذبية هذا الجانب الروحي تتزايد في هذه السنوات، حيث اننا نشهد انعطافاً جماهيرياً للتدين، والحفاظ على الشعائر العبادية، وتحري معالم الحلال في العقائد والعبادات.
أما عن الشق التشريعي والقانوني في الإسلام، وتدبيره لسياسة الدولة والمجتمع والذي عزلت حاكميته عن كثير من الميادين الحياتية، لتحل محله القوانين الوضعية ذات الفلسفة الغربية في التشريع والتقنين، فإن هذا العزل لم يلق قبولاً لدى جماهير المسلمين، الذين أحسوا أن فيه قطعاً لإحدى رئتي الإسلام! ولذلك شملت حركة الإحياء الديني الإسلامي، الحديثة والمعاصرة الإسلام العقدي، والشعائري، وإسلام الشريعة، والسياسة والاجتماع، والاقتصاد جميعاً.

شمولية حركة اليقظة

وعلى حين ظن البعض أن الإسلام قد تخلى - بعد محاولات الاستعمار تحجيمه، وحصره في العقيدة والشعائر- عن شموليته وتكامل منهاجه، كانت شمولية حركة اليقظة، والإحياء الديني المعاصرة تبديداً لهذا الظن، فمحاولة علمنة عالم الإسلام ودوله وسياسة مجتمعاته لم تتجاوز القشرة التي أخذت تتحطم أمام سعي المد الإسلامي الحديث والمعاصر، ويشهد على هذه الحقيقة - حقيقة شمولية الدعوة الإسلامية، واستعصاء الإسلام على العلمنة والاختزال في العقيدة والتخلي عن الشريعة- علماء الغرب الذين وعوا أبعاد تكامل مقاصد الإحياء الإسلامي المعاصر .. فمثلاً، عالم الاجتماع الإنجليزي إرنست جيلنر يقول «إن النظرية التي يعتنقها علماء الاجتماع، والتي تقول إن المجتمع الصناعي والعلمي الحديث يقوض الإيمان الديني- مقولة العلمنة - صالحة على العموم .. وهي تتباين في التفاصيل والفروق الدقيقة من حالة إلى حالة، لكن التأثير السياسي والسيكولوجي للدين قد تناقص عملياً في كل المجتمعات، وبدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة، وعالم الإسلام استثناء مدهش وتام جداً من هذا.
فالإسلام مقاوم للعلمنة، وسيطرته على المؤمنين به قوية، وهي أقوى الآن مما كانت قبل مائة سنة مضت، فهو لم يقبل قواعد المجتمع العلماني، مثلما فعلت المسيحية بعد صراعات كثيرة ومؤلمة، وكان الإسلام على قدر من الرسوخ في المجال السياسي والاجتماعي يجعله رافضاً لأي تمييز بين ما لله وما لقيصر، بحيث لا يسمح أبداً لمعتنقيه أن يصبحوا مواطنين لديموقراطية علمانية» فحفاظ الإسلام على شمولية دعوته حتى يومنا هذا، حقيقة يشهد بها أهل العلم، حتى من غير المسلمين!

ظاهرة اليقظة الإسلامية

ويرى المؤلف أن ظاهرة اليقظة الإسلامية والاجتماعية والإحياء الديني التي برزت واجتذبت جماهير واسعة- على نحو غير مسبوق في العقود الأخيرة، من الظلم ومن الخطأ النظر إليها عند تقويم الإيجابيات والسلبيات فيها ككتلة واحدة صماء، فإذا مثّلت هذه الظاهرة الإسلامية تيارا إحيائيا يتغيى العودة كاملة إلى كامل الإسلام، واتخاذ هذا الإسلام منهاجاً شاملاً لكل مناحي الحياة العقدية والعبادية والخلقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والمعرفية...الخ فإن في هذه الظاهرة العديد من الفضائل والتيارات التي تتمايز في إطارها العام، فهناك الجماهير العريضة، غير المؤطرة ولا المنظمة في أحزاب أو حركات، والتي اندفعت وتندفع ملايينها إلى الالتزام بأحكام الإسلام، باحثة عن حدود الله في شؤون حياتها، وعن معالم الحلال والحرام في هذه الحياة، محيية سنن الإسلام وشعائره في تفاصيل شؤونها الحياتية، وهناك فصيل وتيار العمل الخيري غير السياسي الذي أقام ويقيم في عالم الإسلام آلاف الجمعيات والمؤسسات الخيرية والإغاثية والتنموية والصحية والفكرية والثقافية والتعليمية... الخ، وهو تيار يقيم قطاعاً من البنية التحتية التي تسهم في تخفيف مشقات حياة الناس بواسطة الحلال الإسلامي، مبرزاً دور الإسلام في البناء الاجتماعي والإنساني، وهناك أهل الفكر والاجتهاد والتجديد، الذين نذروا أنفسهم لصناعة الفكر والثقافة انطلاقاً من المنظور الإسلامي، يبدعون في ميادين الفكر الإسلامي، على تعدد وتنوع هذه الميادين، إصلاحاً لمناهج هذا الفكر، وتجديداً لفلسفاته، وصياغة لمعالم وسمات وقسمات مشروع حضاري إسلامي، يكون دليل عمل لكل فصائل وتيارات الإحياء الإسلامي المعاصر، وهناك التيار الحركي المنظم والمؤطّر في أحزاب وجماعات وجمعيات ذات مقاصد سياسية، وأغلب هذا التيار- على امتداد أوطان الأمة - يلتزم الوسطية الإسلامية والاعتدال الإسلامي، فيدعو إلى برامجه ومقاصده بالكلمة الطيبة، والحكمة والموعظة الحسنة، ويحاور ويجادل الفرقاء غير الإسلاميين بالتي هي أحسن، بل يصبر ويصابر على الكثير من ألوان القهر والتضييق والعقبات التي توضع في طرقه ويعاني الابتلاء بها، وهو يحتكم إلى جماهير الأمة عبر آليات الشورى والديموقراطية.

مظاهر العنف والغضب

ويرى المؤلف أن هناك شريحة محدودة العدد، اختار شبابها طريق الغضب والرفض والعنف والاحتجاج، إمّا «رد فعل نزق» لعنف النظم والحكومات التي حرمتهم من العمل القانوني السلمي والمشروع، وإما لتأويلات فاسدة لبعض المأثورات الإسلامية، من أحاديث الفتن وآخر الزمان، ومن فتاوى عزلوها عن ملابسات صدورها، وإما للأمرين معاً، وهذه الشريحة، وإن قلّ عددها، إلا أن صوتها قد أصبح عالياً، كطبيعة أصوات الغضب والاحتجاج دائماً وبسبب من المخطط الإعلامي الخبيث الذي يسلط على هذه الشريحة كل الأضواء، ليشوه كل الصور، وليلقي ظلال هذه الشريحة على كل الموكب العريض لظاهرة اليقظة الإسلامية المعاصرة، وذلك بهدف حجب الإيجابيات الكبيرة والكثيرة لأعظم ظواهر عصرنا عن أنظار الجماهير!
ويختتم المؤلف كتابه بالدعوة إلى الوحدة الفكرية والتضامن الروحي، والالتفاف حول الرؤية الوسطية والمنهج الإسلامي الوسطي من أجل التصدي لمحاولات الغزو والاختراق الفكري والثقافي الذي يهدد الكيان الإسلامي، فالوسطية هي صمام أمان مسيرة الحضارة الإسلامية في مختلف العصور

شارك الكتاب مع اصدقائك