وحين قامت ثورة يوليو 1952 أحكمت قبضتها علي أجهزة التنفيذ والتشريع، وأصدرت عددًا من التشريعات استهدفت تقييد مجال التقاضي، وجرت مواجهات عنيفة بين الثورة ومجلس الدولة طوال عامي 1954 ــ 1955، أثمرت قوانين لإعادة تشكيله وسقوط حصانة أعضائه، وقد استمر هذا الوضع حتي يونيو 1967، وبدأ القضاء يوسع ولايته المنتقصة، ويمد نشاطه إلي خارج النطاق الذي كان مضروبًا عليه مما أشعر الثورة بالقلق، فظهرت الدعوة لإدخال القضاء في التنظيم السياسي الوحيد الذي كان قائمًا آنذاك وهو الاتحاد الاشتراكي.
كما ظهرت فكرة القضاء الشعبي، أي أن يكون مع القضاة في نظر الدعاوي أناس يمثلون الشعب، كما جري بعد ذلك في لجان فض المنازعات والمحكمة التي تنظر في قضايا الأحزاب ومحكمة القيم.
وقامت المواجهة بين نظام الحكم والقضاء، وأصدر نادي القضاة بيانًا في مارس 1968 أعلنوا فيه رفضهم الانضمام للاتحاد الاشتراكي والقضاء الشعبي، وانتهت المواجهة بما بات يعرف بـ «مذبحة القضاة» في 1969، إذ صدرت ثلاثة قوانين حلت بموجبها الهيئات القضائية وأعيد تشكيلها من جديد بعد إسقاط نحو 200 من أعضاء هذه الهيئات.
ثم بدأت حيل لاستمالة بعض القضاة بعيدًا عن التيار الرئيسي الرافض لهذه الممارسات، عن طريق الانتداب في هيئات التحكيم وتكليف القضاة بأعمال إضافية يحصلون بموجبها علي مكافآت كبيرة، مما يعطيهم ميزة كبيرة لا تتوفر لآخرين، ويقضــــي علي فكـــرة المســـــــاواة بين القضاة.
ويلاحظ المؤلف أن سلطة وزارة العدل علي القضاء زادت بدرجة كبيرة في العقود الأخيرة، وهذه السلطة هي ما يمثل تسلطًا من السلطة التنفيذية علي القضاء، حيث يشكل وزير العدل المكتب الفني لمحكمة النقض، وينتدب رئيس كل محكمة من المحاكم الابتدائية من بين مستشاري محكمة الاستئناف، كما أنه ينشئ المحاكم الجزئية وتتبعه النيابة العامة وإدارتا التفتيش القضائي للمحاكم والنيابة.
ويعطي المؤلف مساحة مهمة للحديث عن حكم المحكمة الدستورية الذي صدر عام 2000، والذي أكد بطلان جميع المجالس النيابية السابقة وإلغاء القوانين الصادرة عنها، ووجوب الإشراف القضائي الكامل علي العملية الانتخابية، ويشير المؤلف في هذه النقطة بالذات إلي أن الانتقادات الموجهة للنظام الحزبي والانتخابي في هذه الحالة تمس بالضرورة هيبة القضاء وقدسيته، فالقاضي في مثل هذه الانتخابات ــ سيئة السمعة ــ لا يواجه مؤسسات أو أفرادًا، لكنه يواجه الحكومة وحزبها.
ومشروع التعديل الذي يقدمه القضاة اليوم من خلال ناديهم يتجه نحو تدعيم سلطة القضاء وتحقيق استقلاليته، وبين ما يطرحونه من تعديلات أن تتبع إدارة التفتيش القضائي مجلس القضاء الأعلي، وأن تستقل النيابة العامة عن وزارة العدل، وأن يتم اختيار رؤساء المحاكم الابتدائية من خلال مجلس القضاء الأعلي، وأن تختار الجمعية العمومية لمحكمة النقض من بين أقدم نواب بها ممن رأسوا دوائرها في السنوات الثلاث الأخيرة.
إن استقلال القضاء، كما أكدت الأزمة الأخيرة، جزء من استقلال الوطن، وربما هذا الإحساس هو ما دفع إلي تفاعل عامة الناس مع حركة نادي القضاة.
كتاب القضاء المصري بين الاستقلال والاحتواء - طارق البشري
كتاب القضاء المصري بين الاستقلال والاحتواء بقلم طارق البشري..تحقق الاستقلال للقضاء المصري في أربعينيات القرن العشرين، حين صدر قانون استقلال القضاء (1943) في وزارة النحاس.
نحن نعمل على تصفية المحتوى من أجل
توفير الكتب بشكل أكثر قانونية ودقة لذلك هذا الكتاب غير متوفر حاليا حفاظا على حقوق
المؤلف ودار النشر.