كتاب الكفكائي بقلم علي سيف الرواحي....في قصص علي سيف الرواحي هذه نزوع ملحوظ إلى العوالم الكافكاوية وقدرة فائقة على إنتاج صور سوريالية غربية وعميقة، تشارك فيها الحشرات البطولة، وتتحقق أولى تجليات ذلك في صياغة العنوان «الكفكائي» وأما السّرد فينهض على مبدأ الإيحاء والإيماء أكثر من التقرير والتصريح؛ وتبدو هذه إحدى رهانات الكتابة القصصية عند الرواحي، فالقراءة في أحد أوجهها هي عملية استباق للمعنى؛ وهي من هذا المنظور الوظيفي عملية إتمام لمعنى أو استباق لمعنى مومئ أو موحى به، وربما أراد الكاتب هنا أن يضعنا على محك العلاقة بين ما نلتقطه من النص المقروء، وما نضيف إليه من تأويلاتنا؛ ففي النص المعنون "التحول إلى كافكا"، يعيش البطل الاغتراب المكاني من خلال وجوده في المستشفى في حالة شبه غيبوبة، ويعيش الاغتراب الزماني من خلال استغراقه في الماضي والذكريات، أما الحاضر فيبدو ضبابياً إلى حد ما، "تراءت لي سحب من الدخان في آخر القاعة وأتتني معها رائحة زكية، كأنني كنت في حقل من الزهور. لا أدري لماذا تذكرت آخر جلسة استجواب لي عندما كنت محتجزاً بسبب نشاطي السياسي المعارض. كانت غرفة صغيرة رمادية جرداء وأنا جالس على كرسي معدني مزعج وغير مريح وكانت يداي خلف ظهري مقيّدتين. كنت أظل جالساً ما يقارب الساعتين أو الثلاث إلى أن يأتيني المحقق (...)، من خلف السحب الدخانية سمعت صوت أشبه بالصفير وصرصرة كثيرة ومختلفة المستويات. اخترقها وأنا أرتجف، لا عن برد أو خوف، وإنما بسبب التحولات الفيسيولوجية داخل جسمي. لقد شعرت وكأنني أفقد الوعي شيئاً فشيئاً. خدرٌ أصاب جميع أنحاء جسدي. كنت في حالة سرنمية كتلك التي تنتابنا عندما نصحو من نوم عميق. "تعال لا تخشى. أنا الحشرة الأعظم. سأساعدك في تحولك (...)". وبهذا المعنى يطرح النص شخصيات إشكالية ومصائر مأساوية، ويقدم فهماً خاصاً لطبيعة الأحداث والوقائع، ويحاول الكاتب من خلال هذا الفهم بالذات أن يقيم علاقة جدلية متعددة الجوانب بين ما هو متخيل وبين ما هو واقعي، حيث ينتقل من الواقع المرفوض - القيد على الحريات والأفكار- بحثاً عن واقع آخر بديل، فيه متسع لكثير من القيم المفقودة، كنقط ضوء بارقة في هذا النفق المظلم الذي تعيشه البشرية اليوم، والذي يحاول الكاتب الرواحي الإيحاء إلى مظاهره، وتجلياته، وعلاماته البارزة في ثنايا قصصه. يضم الكتاب مجموع قصص قصيرة جاءت تحت العناوين الآتية: "معرة الفكر"، "كولاب"، "أكثر المتشائمين تفاؤلاً"، "إبليس الطيب"، "التحول إلى كافكا"... وعناوين أخرى