مشاهد متنوّعة من حياتنا اليوميّة: الحجاب ليلة زفاف، الحجاب عندما ترتديه طفلة وتتعثّر به، الحجاب على شاطئ البحر، الحجاب في أوروبا، الحجاب عند نساء يحوّلن الحجاب إلى زينة… زوايا مختلفة للنّظر: الحجاب باعتباره إخفاء لجسد المرأة أو إبرازاً له، العري باعتباره حجابا، الحجاب زمن الوحي في لحظة تأسيسيّة حرجة، الحجاب وعلاقته بالسياسي وبالعيش معا، الحجاب في تركيا، والجدل بين من يعتبر الحجاب «انحدارا» في مستوى الحوار
السياسي ومن يعتبره مسألة مصيريّة. جدل ننقله كما جاء على صفحات الأوان. لا أريد أن أفرض وجهة نظري الخاصّة في حجاب النّساء، لأنّني مساهمة في هذا الكرّاس بمقالين، ومن باب النّزاهة أن لا أكون خصما وحكما في هذا التّقديم، بل أن أقول وجهة نظر الأوان من المسألة ومن وجاهة طرحها على وجه عامّ. الأوان يريد بإمكانيّاته ومساحاته المحدودة أن يساهم في بناء ثقافة مختلفة عن ثقافة الكتب الصّفراء التي تنشر الخوف والشّعور بالإثم، ومختلفة عن ببّغويّات الدّعوات الدّينيّة التي تملأ آذاننا في الفضائيّات العربيّة، ولكنّها مختلفة أيضا عن ثقافة «اللائق سياسيّا» Politically correct كما يمكن تعريفه في العالم العربيّ، والمتجسّد في الكثير من المنابر «اللائقة» هو «اللائق دينيّا» على وجه الخصوص. إنّه يتمثّل في عدم إثارة القضايا «الخلافيّة» المحرجة، قضايا التّحرّر الفرديّ أساسا، لا لأنّها غير ذات أولويّة كما يقال، بل لأنّها تحرّك مياها راكدة: مياه تصبّ فيها مصالح مالكي الصّحف والمنابر الكبرى مع مصالح كتّاب وإعلاميّي المشهد مع مصالح المدافعين عن القوانين الدينية المكبِّلة للنساء وللرجال معا؛ على أنّ حظّ النّساء من القيود أشدّ وطأة كما هو معلوم… فمن اللائق سياسيّا الحديث بوجه عامّ ونظريّ عن العلمانيّة، ولكن من غير اللائق إثارة قضيّة العلمانيّة عندما تمسّ أجساد النّساء وحجابهن. من اللائق سياسيا الحديث عن التّنمية وعن دور النّساء فيها، وعن حظّ النّساء من إدارة الأعمال وعن «نجاحاتهنّ»، ولكنّ من غير اللائق سياسيّا الحديث عن المرجومات في حدّ الزّنا، والممنوعات من السّفر بلا محرم، والممنوعات من أخذ قرار يخصّهنّ، والممنوعات من الحبّ والحياة الكريمة… الأوان، لأنّه منبر مستقلّ، يطمح إلى أن يكون مستقلا أيضا عن ثقافة اللائق سياسيّا-دينيّا… قد يكون حجاب النّساء مشكلا زائفا، قد يكون علامة مرضيّة تظهر على السّطح أزمة عميقة وعطالة في مجتمعاتنا، قد يكون ظاهرة قديمة متجدّدة… المهمّ هو أن نفسح المجال للتّفكير بدل الوعظ والإرشاد، وللمعرفة الهادئة بدل الصّراخ؛ والمهمّ أيضا أن نفسح المجال لليوميّ وللخاصّ وللمحرِج من القضايا. والمهمّ أخيرا هو أن لا نعتبر ما يخصّ المرأة خانة خاصّة، من باب «للمرأة فقط»، فهذا وجه آخر من وجوه ثقافة اللائق سياسياً ودينياً…