كتاب المقاومة بالكتابة بقلم جابر عصفور..«المقاومة بالكتابة... قراءة في الرواية المعاصرة» (الدار المصرية اللبنانية - القاهرة)، أحدث كتب المفكر والناقد جابر عصفور، وهو الثاني في سلسلة كتب له عن «الرواية والقمع»٬ سواء كان القمع، سياسياً، أو دينياً، أو اجتماعياً. بدأت تلك السلسلة بكتاب «مواجهة الإرهاب: قراءات في الأدب المعاصر»، وهناك كتاب ثالث سيصدر قريباً ويتناول الروايات العربية التي رصدت مختلف أشكال القمع الاجتماعي.
في المناسبة أجرت «الحياة» الحوار الآتي مع جابر عصفور.
> في كتابك «المقاومة بالكتابة... قراءة في الرواية المعاصرة»، اعتبرت «عمر النجار»؛ بطل رواية «تلك الأيام» للراحل فتحي غانم، إرهابياً٬ وعقدت مقارنة بين الإرهاب المدني والإرهاب الديني٬ أليس ما قام به «النجار» مقاومة وليس إرهاباً؟
- «عمر النجار» لم يكن يقتل جنود الاحتلال الإنكليزي فقط، وإنما كان يقتل مصريين أيضاً، ولهذا اعتبرته إرهابياً. كتاب «المقاومة بالكتابة» هو الثاني في سلسلة كتب٬ عن الرواية والقمع، بدأت بكتاب «مواجهة الإرهاب: قراءات في الأدب المعاصر»، وهناك كتاب ثالث سأتناول فيه الروايات التي رصدت أشكال القمع الاجتماعي٬ مثل روايات لطيفة الزيات٬ وإحسان عبدالقدوس٬ ويوسف إدريس، وأيضاً رواية الكاتب الكويتي سعود السنعوسي «ساق البامبو». أنا أؤمن بأن القمع في مجتمعاتنا، يسري في الهواء، ولذلك لا توجد لدينا عقليات إبداعية بمعنى الكلمة٬ ولا توجد لدينا أيضاً حرية اجتماعية٬ ولا حتى لدينا تصور عما يترتب على الحرية.
> كيف ترى الدعوة إلى تجديد الخطاب الثقافي والجدل في شأن الفكر الديني وضرورة غربلته؟
- هناك أزمة في الخطاب الديني؛ ولا بد من تجديد الخطاب الثقافي لأنه أشمل، بالتصدي لأربعة تحديات. التحدي الأول؛ يتمثل في الاستبداد، الذي يجعل الحرية أبعد الأشياء المتاحة في الوطن العربي. والتحدي الثاني هو الفقر، فأكثر من 40 في المئة من السكان تحت مستوى خط الفقر. والتحدي الثالث هو التعليم، الذي يفتقر عندنا إلى الجودة ولا يتميز بأي من الصفات الإيجابية، في حين أن موازنة التعليم في إسرائيل مثلاً تفوق موازنة الدفاع. التحدي الأخير يتمثل في تخلف الخطاب الديني، سواء على صعيد الفقه، أو على صعيد مناهج التعليم في مدارس ومعاهد وكليات مؤسسة الأزهر. لا بد كذلك من مضاعفة موازنة الثقافة لتتمكن من مواجهة الخطاب الديني المتخلف. هناك قلة من علماء الأزهر الشريف تريد تجديد ذلك الخطاب، ولكنهم غير مؤثرين. نحتاج إلى ثورة يقودها شيخ أزهري شجاع مثل محمد عبده.
> وماذا عن حركة النقد الأدبي في مصر؟ كيف تنظر إلى اتهامها بعدم القدرة على مواكبة الإبداع في مختلف فنون الأدب؟
-الحركة النقدية في مصر عشوائية وضعيفة جداً ومن أردأ ما يكون٬ فليس هناك إلا عروض كتب تنشرها الصحف، فيما تغيب الدراسات والمقالات النقدية الجادة. وأضيف إلى ذلك أن ضعف مستوى التعليم بمراحله كافة، أدى إلى تآكل الثقافة المصرية، لأنها لم تعد قادرة على ابتكار بدائل لنقاد ومفكرين٬ من أمثال محمد مندور.
> أرجَع بعضهم فشلَ الانقلاب في تركيا إلى ارتفاع وعي الشعب التركي واهتمامه بالتعليم... ما تعليقك؟
- واضح أن الشعب التركي يدرك أن الديموقراطية أهم من الخلاص من أردوغان، ولذلك رفض الانقلاب العسكري. وعلى هذا الأساس، فإن أحزاب المعارضة نفسها كانت ضد الانقلاب٬ لأن رأيها كان ولا يزال٬ أنه لا بد من الخلاص من أردوغان لكن بالديموقراطية٬ وليس بالانقلاب العسكري. وأرى أن الانقلاب كان اختباراً للديموقراطية٬ وأظن أنه فشل لهذا السبب.
> ما رأيك في مشروع «سياسة جديدة للنشر الثقافي الحكومي»٬ الذي طرحه أخيراً وزير الثقافة المصري السابق عماد أبو غازي؟
-لم أقرأ المشروع٬ لكني أرى أنه لا مانع من تنشيط جهات للنشر داخل وزارة الثقافة٬ شرط الابتعاد عن الفوضى٬ وأن تنشر كل جهة ما هي مختصة فيه. فمثلاً؛ الهيئة المصرية العامة للكتاب٬ تنشر الكتابات العامة وما يدخل في اختصاصها كدار نشر حكومية٬ ما عدا الترجمة٬ لتصبح تحت إشراف المركز القومي للترجمة. والأمر نفسه في الهيئة العامة لقصور الثقافة٬ وهي ليست منافساً للهيئة العامة للكتاب٬ وهو ما يحدث الآن٬ وإنما ينبغي أن تنشر للكتاب المقيمين خارج القاهرة٬ وتقوم في الوقت نفسه بتوفير كتب دور النشر الخاصة بأسعار رخيصة.
> إذاً أنت تتفق مع سياسة توحيد جهات النشر في جهة واحدة؟
- نعم؛ يجب أن توحَّد جهات النشر. مثلاً؛ لا معنى لنشر أعمال مترجمة عبر الهيئة المصرية العامة للكتاب، أو الهيئة العامة لقصور الثقافة، في ظل وجود المركز القومي للترجمة.
> ما مدى إمكان تنفيذ هذا المشروع في رأيك؟
- أن تكون هناك لجنة نشر٬ يرأسها وزير الثقافة مباشرة٬ تلتزم الجهات المختلفة قراراتها، في ظل المعاناة الحالية من مشكلتي التكرار، وضعف التوزيع. حل المشكلة الثانية يكمن في الاستعانة بخبراء في التوزيع. أما مشكلة التكرار٬ فيمكن حلها كما قلت سلفاً بأن تنشر كل مؤسسة ما يخصها، بإشراف لجنة النشر المقترحة.
> كيف تنظر إلى الجدل في شأن حجاب المرأة المسلمة؟
- الحجاب أو السفور، مسألة شخصية بحتة٬ تجاوزت الدين، بمعناه الحرفي، وباتت قضية ثقافية واجتماعية وسياسية في آن. هناك من توصَّل إلى أن الحجاب عادة وليس عبادة، من أمثال الفقيه القانوني محمد سعيد العشماوي، وشيخ الأزهر الراحل عبدالمتعال الصعيدي.
> من المسؤول عن ضبابية مفهوم المواطنة وعدم قبول الآخر؟
- منذ أواخر السبعينات، تقهقر الخطاب الديني الوسطي، وبرز خطاب متطرف، خصوصاً في الأوساط التي تقع تحت خط الفقر، يقوم على التمييز ضد المرأة وإقصاء من يخالفونه، ورفض مبدأ المواطنة. هذا الخطاب الذي يستحق الكشف عن جذوره، هو المسؤول عن ضبابية مفهوم المواطنة بالتأكيد.
> لماذا لم تثمر سلسلة «المواجهات»، التي أصدرتها وزارة الثقافة المصرية في بداية التســـعينات، لجهة فضح الأفكار المتطرفة ومحاصرتها؟
- من قال هذا؟ لقد تطورت هذه السلسلة وأصبحت «مكتبة الأسرة»٬ وصدر لي أنا شخصياً فيها٬ كتاب بعنوان «مواجهة الإرهاب: قراءات في الأدب المعاصر».
> هل وزارة الثقافة المصرية قادرة في وضعها الحالي، على أن تحدث حراكاً مضاداً للتشدد الذي أصبح سمة للمجتمع؟
- الوزارة تقوم بواجباتها٬ لكن ضعف الإمكانات والموارد المادية، يقف عائقاً أمام تحقيق المأمول منها٬ فماذا بيد وزير الثقافة أن يفعله أو يقدمه٬ أمام عجز موازنة وزارته؟
> لوحظ أن حملة التضامن مع الكاتب أحمد ناجي أكثر زخماً من التضامن مع الباحث إسلام البحيري والشاعرة فاطمة ناعوت. هل يرجع ذلك إلى أن الأخيرين تعرضا للتابو الديني؟
- لأن المثقفين تجمعهم الجماعة الثقافية٬ كما رأينا في حالة أحمد ناجي٬ وحملة التضامن العالمي التي دُشنت من أجله٬ ورأينا تجلياتها في منحه جائزة منظمة القلم الدولية لحرية الكتابة في 2016. وقد أدرك كثير من المثقفين أن تجديد الخطاب الديني قضية ثقافية بقدر ما هي دينية٬ لذا فقد تضامنوا أيضاً مع إسلام البحيري٬ وفاطمة ناعوت وطالبوا باحترام مواد الدستور ورفض العقوبات السالبة للحرية.