كتاب المكافأة وحسن العقبى للمؤلف أحمد بن يوسف بن الداية النيل والفرات: ساق أحمد بن يوسف كتابه هذا على مدرجة من القول في المكافأة على الحسن والقبيح، وحسن العقبي في الصبر والتشدد ونفي الجزع عن النفس، وهو في أكثره يروي الخبر عمن حدثه به أو يصوغ في عبارته حكاية ما لقيه أو شاهده أو استخرجه. وهو في بيانه قليل التكلف، قريب
اللفظ، بعيد عن الغموض. وسهل له ذلك أنه بفطرته محدث بارع، أو كما قال ياقوت: "حسن المجالسة". فكانت سياقة كلامه في كتابته أشبه بالحديث منها بالكتابة، وهو إذا لغرض أبان عنه بوضوح وترتيب وتساوق، ثم هو في خلال ذلك جزل الرأي، محكم الفكرة، قريب الفور. وسبب ذلك أن أحمد بن يوسف كان صاحب منطق، وحساب وهندسة، ومن طبيعة التحقق بدراسة هذه العلوم أن تجعل للرأي جزالة وأحكاماً ليست لغيره ممن عدم النظر فيها والتمرس بها. وقد اعتمد أحمد بن يوسف فيما يقصه أن يتبع رأي الجاحظ في رواية بعض القول على وجهه كما يجري في الحديث، غير مستنكر أن يكون فيه اللحن والخطأ في اللغة، ما دلّ ذلك على حكاية لفظ يختل حاله إذا أزيل عن الوجه الذي نطق به. وقد استعمل أحمد بن يوسف في كتابه هذا كثيراً من الألفاظ المصرية التي لا تزال باقية إلى يوم الناس هذا، وعرض بعض العادات القديمة التي لا تزال تنحدر من ذلك العصر، ولكنه كان قليل الحفل بالبيان عنها وكشفها ووصفها واستيعاب القول فيها، وذلك لأنه كان يرمي إلى غرض بعينه، فلم يسر في قصصه سيرة الجاحظ في الاستطراد والتوسع، وتشغيف المعاني العارضة في وجوه كثيرة، وكأن ما تعوده من الضبط في الحساب هو الذي حمله على الضبط في الحديث، ولو فعل لكان في كتابه بعض التاريخ الاجتماعي الضائع للعصور العربية الزاهرة التي لم يعرف إلا بعض رسمها وأشتات من صفاتها.