كتاب المنهج الموضوعي في النقد الأدبي بقلم مجموعة مؤلفين..رحلة هي الحياة, نسجلها في التاريخ, في الحكايات التي نرويها ونكتبها ونرسمها على الصخور والجدران, رحلة نبحث فيها عن ملامحنا الروحية والذهنية, نستخرج فيها (ومنها) الطاقة الكامنة في أعماقنا, نستلهم الأحلام التي تصورناها في تحقيق واقع، نضع شخصيتنا في فضائه, رحلة يمر بها الإنسان في كل مكان وزمان, فلا توجد ذات إنسانية خارج مجال الرحلة, لأن الإنسان بدأ رحلته الممتدة منذ أن لمست قدماه الأرض واستقبل الأثير ذبذبات صوته الصارخ خوفا من المجهول وتطلعا إلى التواصل المفقود
.
إن كلمة الرحلة مرآة تعكس الحياة الإنسانية التي تمضي بين ماء وأرض, محيط وقارة, بحار وجزر, أنهار ووديان, إنها ثنائية الحركة والسكون, إننا نعرف أن البحر ماء, ولكن الرمل أيضا بحر, والعربي عاش في الصحراء تغوص راحلته في الرمال قبل أن ينزل في واحة أو خيمة, ويستقر مع أهله في منزل, ولاشك أن كلمة منزل ذاتها في اللغة العربية تمنحنا معنى السكون الذي يأتي بعد حركة, لقد صعد الإنسان إلى راحلته ودار وطاف وتكبد المشقة في بحر الرمال, قبل أن ينزل في مكان يمكن الاستقرار فيه, مكان فيه أهل, هم أسرته, ويجتمع الأهل معا في أسر فينشأ الحي, أي المكان الذي تتوفر فيه عناصر الحياة فيصلح لإقامة الأحياء.
وإذا كانت اللغة تفيدنا في فهم ثقافتنا, فإن المتأمل في أوجه النشاط الإنساني سيجد أن اللغة تمنحنا نموذجا يمكن أن نعده المقياس لكل سلوكنا, بمعنى أن من يتأمل اللغة سيجد فيها طبيعة الإنسان وفكره, وسيرى أنها النموذج التمثيلي لإنتاجه الحضاري, وكأن الحضارة نوع من أنواع البيان.
