كتاب الناصرية بمنظور نقدي، أي دروس للمستقبل؟

تأليف : محمد جابر الأنصاري

النوعية : التاريخ والحضارات

كتاب الناصرية بمنظور نقدي، أي دروس للمستقبل؟ بقلم محمد جابر الأنصاري..في حلول الذكرى الخمسين لحركة 23 يوليو (1952-2002) منعطف تاريخي جدير بالتوقف والمراجعة لرصد هذه التجربة المتميزة والمضنية في الوقت ذاته التي جمعت في نفوس العرب بين نبضات الحب وغصات التساؤل، والتي ينبغي، إذا أردنا الاستفادة منها، ألا يكون الحب فيها مانعاً للأسئلة والمراجعة والنقد. فالتحرر الذي نادت به الناصرية، كان ينبغي أن يكون تحريراً للمواطن والمجتمع من أجهزة السلطة وفسادهما في المقام الأول وألا يقتصر على التحرر من الاستعمار الخارجي، واستبدال تسلط داخلي بتسلط داخلي آخر.


هذا أول الدروس وأهمها في "نقد" الناصرية الذي لا بد منه لجيل عربي أرادت الناصرية "تحريره". أما الدرس الموازي والذي لا يقل أهمية فإنه كما انتقد النظام الملكي الدستوري في مصر إرادة الإصلاح الجدي من أجل البقاء والتطور، فإن النظام الثوري الناصري، بمراكز قواه المتسلطة التي صادرت إرادة القائد والجماهير معاً، قد عجز هو الآخر عن "إصلاح" ذاته من الداخل وترك مصيره النهائي يتقرب حسب مصالح تلك المراكز الفاسدة. وتلك مسؤولية تاريخية يتحملها القائد. والتقدير لذكراه ينبغي ألا يحجب هذه الحقيقة، لأنه من الأهمية بمكان أن يعيها كل قائد عربي مخلص، وكل مواطن عربي، وكل مناضل عربي شريف يأبى الانضمام إلى زمرة الفاسدين والمتسلطين ممن يجلبون الخراب والدمار في النهاية للأنظمة التي يتظاهرون بخدمتها ويبيعونها الولاء المغشوش ثم يبيعونها كلها بأبخس الأثمان. ومما يجدر بالتسجيل في هذا الموقف التاريخي، أن هذه اللحظة العربية الراهنة تشهد تزامناً بين الذكرى الخمسين للثورة واستعادة لافتة للوعي الديموقراطي العربي في كثير من الأقطار العربية، ولتضافر العوامل الداخلية والدولية. وعليه فينبغي أن يكون مغزى هذا التزامن ليس مجرد التحسر على غياب "البطل" القومي في غمرة هذا التراجع الكبير، وإنما النظرة التاريخية الشاملة لما قبل ثورة يوليو وما بعدها. السؤال الكبير: لماذا سقط النظام الملكي البرلماني الدستوري وغابت معه تجربته الديموقراطية المأسوف عليها في يومنا، ولماذا سيطر التيار السلطوي الشعبوي الثوري وحقق إنجازات... ثم لم يلبث أن انحسر؟

ضمن هذه المقاربة تأتي مراجعات محمد جابر الأنصاري حول الناصرية بمنظور نقدي. وهي مراجعات متباينة زماناً ومنهاجاً وعمرها من عمر حركة 23 يوليو/تموز ومجراها العميق في الواقع العربي على امتداد خمسين عاماً. وهي مراجعات لن تنجو من جدلية الاختلاف عند محبي عبد الناصر وعند خصومه. سيجد خصوم عبد الناصر في بعض هذه المراجعات تعاطفاً معه وتحيزاً إليه، وسيجد محبوه في بعضها الآخر تحاملاً عليه وتحيزاً ضده، إلا أن منهجية البحث عن الحقيقة حتمت ذلك، بعد الحصاد المر، وتكشّف محصلة التجربة. ويقول صاحب هذه المراجعات بأنها لا تطمح إلى الخروج من دائرة ذلك القدر؛ فهي أوراق تناثرت، وتوزعت، وربما انشطرت، على امتداد العمر وتراكم التجربة، بين قلب يقبل وعقل يسأل. بين قلب يقبل عندما قال الرجل واثقاً: ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد.. وبين عقل يسال عندما قال الرجل مطأطئاً: انتظرناهم من الشرق فجاؤونا من الغرب لكن المراجعات تلك، وفي كل الأحوال، لا تصدر عن حقد أو شماتة، كما لا تصدر عن تعصب أو مكابرة.

وسيجد القارئ نفسه أمام مجموعة من المراجعات تبحث من زاوية نقدية إشكاليات الظاهرة الناصرية، والدروس المستخلصة من تجربتها لرفد المشروع السياسي والحضاري العربي الإسلامي الجديد. فضلاً عن كون هذه المجموعة، من جانب آخر، تمثل تجربة الجابري الفكرية الخاصة في الناصرية من مختلف جوانب هذه التجربة أراد اطلاع القارئ عليها. 

شارك الكتاب مع اصدقائك