كتاب الهوى دون أهله: أم كلثوم سيرة ونصا بقلم حازم صاغية .. ليس اتفاقاً ولا صدفةً أن تحولت أم كلثوم في عهد عبد الناصر إلى مغنيةٍ بلا منافس وأن صارت في الآن نفسه مغنية "الشعب" كله. فلقد أنشأ النظام الناصري توحيداً في الأذواق والرغبات نكب المدينة الكوسموبوليتية التي رهصت بها قاهرة العشرينات والثلاثينات والأربعينات فضلاً عن "الثقافة" و "اللغة" وسواهما من مرافق الحياة العامة. ففي تكييفه للخريطتين الاجتماعية والثقافية كل النظام الناصري ينتج شروط الازدهار الكلثومي على نيّة شعوب توَّاقة إلى طفولتها وسط عالم هارب من معناه ودلالاته يستعيض بـ"الخلود" و "الأصالة" عن مدن لا تزال تسكنها القرى، واجتماع وسياسة لا يزالان ديناً.
وإذ كان النظام المذكور يفعل ذلك فعلى نحو تمهّد معه لأم كلثوم أن تترجح بين التعالي على الناس ومفارقتها إياهم وبين النطق بلسان حالهم وما تحته -أن تترجح بين كونها بنتاً من بنات النبي وموظفةً رهن سياسة الزعيم.