فخلاصة الأمر أن الثعالبي جعل غايته في مصنفه البديع هذا تحسين ما هو مذموم، وذم ما هو حسن. ومعلوم أن للثعالبي، مؤلف آخر قد يتراءى للبعض شبهة التكرار أو التداخل بينه وبين كتابه تحسين القبيح وتقبيح الحسن. ذلك هو كتاب (اليواقيت في بعض المواقيت، في مدح الشيء وذمه)، الذي كان زواج بينه وبين كتاب آخر للثعالبي اسمه (اللطائف والظرائف في الأضداد)، كما يجد القارئ بعض سمات التشابه مع كتاب آخر للثعالبي هو كتاب (التمثيل والمحاضرة)، وهو كتاب نال حظه إذ نشر وانتشر. ولكن الحقيقة هي أن للثعالبي أسلوباً معروفاً في تكرار بعض موضوعات مصنف له سواه من كتبه، وليس ذلك لقلة في علومه، ولا هو على سبيل الحشو المجرد، بل إنه يخضع هذا التكرار المنسق المقصود، لموضوعات أدبية مختلفة، تتلاءم وتتواءم مع موضوع كل كتاب من كتبه، وتلك واحدة من مزايا الرجل ومقدرته الأدبية الفائقة التي امتاز بها، بل وتفرد. وسيرى القارئ أن كتاب (اللطائف والظرائف)، الذي تسبب في واقع الأمر بطرح التساؤل حول مدى صحة وجود التكرار، إنما يجمع بين مدح الشيء وذمه، بينما يدور موضوع كتاب (تحسين القبيح وتقبيح الحسن) حول تحسين ما هو مذموم، وذم ما هو حسن ممدوح، ولا شك أن هذا أمر وهذا سواه. وقد كان الثعالبي كثير التآليف، وتنوعت مواضيع مؤلفاته فكانت في الأدب واللغة والتاريخ والفقه والتفسير. عاش ثمانين عاماً، وترك نحو ثمانين مؤلفاً في شتى المعارف. منها الكتاب الذي هو بين يدي القارئ "تحسين القبيح وتقبيح الحسن) وقد أسماه ابن شاكر الكتبي، وابن قاضي شهبة، وراغب باشا كل في مخطوطته (التحسين والتقبيح) ربما اختصاراً."
كتاب تحسين القبيح وتقبيح الحسن تأليف أبو منصور الثعالبي
كتاب تحسين القبيح وتقبيح الحسن بقلم أبو منصور الثعالبي..استهلّ مصنف هذا الكتاب، أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري (350-429هـ)، مصنّفه الطريف بوصفٍ بديع يكشف كنهه وجواهر فحواه قائلاً: ".. أودعته لمعاً من غرر البلغاء، ونكت الشعراء في تحسين القبيح وتقبيح الحسن؛ إذ هما غايتا البراعة، والقدرة على جزال الكلام في سرّ البلاغة، وسحر الصناعة، وما أراني سبقت إلى مثله في طرائف المؤلفات وبدائع المصنفات.." فالكتاب، مصنف بديع من مصنفات الثعالبي، وهو صاحب التآليف الأدبية واللغوية الكثيرة، وقد جمع في كتابه الطريف هذا جلّ ما قيل من نثر وشعر في تحسين ما اتفق على تقبيحه، وتقبيح ما عرف بحسنه.