السير الاربع, و تلخيض ذلك معرج عنه لمن يفرغ للفحص عن السير الموجوده فى هذا الزمان. بل الاصناف الثلثه منها موجودون إو يمكن وجودهم و هم النوابت و الحكام و الاطبإ. و كان السعدإ ان امكن وجودهم فى هذه المدن فانما تكون لهم سعاده المفرد, و صواب التدبير انما يكون تدبير المفرد, و سوإ كان المفرد واحدا إو إكثر من واحد, ما لم يجتمع على رإيهم امه او مدينه. و هولاى هم الذين يعنونهم الصوفيه بقولهم الغربإ, لانهم و ان كانوا فى إوطانهم و بين اترابهم و جيرانهم, غربإ فى آرائهم قد سافروا بإفكار هم الى مراتب إخر هى لهم كالاوطان, الى سائر ما يقولونه. و نحن فى هذا القول نقصد تدبير هذا الانسان المتوحد, و بين انه قد لحقه امر خارج عن الطبع, فنقول كيف يتدبر حتى ينال افضل وجوداته, كما يقوله الطبيب فى الانسان المنفرد فى هذه المدن كيف يتوجه حتى يكون صحيحا, اما بان يحفظ صحته كما كتب جالينوس فى كتاب حفظ الصحه, و اما بان يستر جعها اذا زالت كما وضعت فى صناعه الطب. كذلك هذا القول هو للنابت المفرد و هو كيف ينال السعاده اذا لم تكن موجوده, إو كيف يزيل عن نفسه الاعراض التى تمنعه عن السعاده, إو عن نيل ما يمكنه منها, اما بحسب غايه رويته او بحسب ما استقر فى نفسه. و اما حفظها, و ذلك شبيه بحفظ الصحه, فلايمكن فى السير الثلاث؟ و ما تركب منها, فان الذى يراه جالينوس إو غيره فى ذلك شبيه بالكيميإ و صناعه النجوم. فهذا الذى يضعه طب النفوس, و ذلك طب الاجسام, و الحكومه طب المعاشرات. فبين إن هذين الصنفين يسقطان جمله فى المدينه الكامله, فلذلك لم يعدا فى العلوم. و كذلك يسقط هذا الذى نقوله متى كانت المدينه كامله, و تسقط منفعه هذا القول كما يسقط علم الطب و صناعه القضإ و غير ذلك من الصنايع التى استنبطت بحسب التدبير الناقص. و كما ان ما فى ذلك من الارإ الصادقه يرجع الى ما فى الطب منها الى الصنايع الطبيعيه, و ما فى صناعه القضإ فيرجع الى الصناعه المدنيه, كذلك ما فى هذا يرجع ما فيه الى الصناعه الطبيعيه و الصناعه المدنيه.
كتاب تدبير المتوحد تأليف ابن باجه
كتاب تدبير المتوحد للمؤلف ابن باجه و السير الاربع قد توجد فيها النوابت, و وجودهم هو سبب حدوث المدينه الكامله, على ما تبين فى غير هذا الموضع. و لما كانت جميع السير التى فى هذا الزمان, و فيما كان قبلها من معظم ما بلغنا خبره, اللهم الا ما يحكى ابو نصر ((عن سيره الفرس الاولى, كلها مركبه من السير الخمس, و معظم ما نجده فيها من