لكنه في المجتمعات الشرقية تتلاشى المسافات وتغيب الحدود ، وهكذا فإن أي اختلاف في الرأي يجري تصويره خروجا على الوطن ، إن أي اجتهاد إنساني يمكن تحويله عصيانا ضد الدولة . وللإنصاف فإن ذلك من بقايا موروث قديم صنعه فهم مغلوط للجانب السياسي في التاريخ الإسلامي ؛ حيث وقع الالتباس في تأصيل نظام الخلافة ، ومن ذلك السبب نسبت نظم يعلم الله جورها ظلما إلى خلافة رسول الله ، وأعقب ذلك إفراط في تسخير الدين لخدمة الدنيا كما وقع بالتجاوز في استعمال آيات من القرآن الكريم ذاته مثل ( وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) مع الضغط على الكلمات الثلاثة الأخيرة . وبصرف النظر عن الموروث فالذي حدث – ويحدث حتى الآن – على عتبة القرن الواحد والعشرين ، أن السياسة العربية المعاصرة تقع كثيرا في محظور اختزال الوطن في رجل ، واختزال الدولة في قرار يأمر به . ننسى أحيانا أن " الرجل " يمكن أن يكون في لحظة من اللحظات صورة إنسانية لوطن ، لكن الوطن لا يستطيع أن يتحول إلى صورة شخصية لرجل
كتاب حديث المبادرة تأليف محمد حسنين هيكل
كتاب حديث المبادرة بقلم محمد حسنين هيكل..في مجتمعات أخرى فإن المساحة بين الرجل والوطن بعيدة ، وبين الدولة وإدارة الحكم ظاهرة . وعلى سبيل المثال ففي بريطانيا – الملكية الإمبراطورية – جرى خلع ملك عن العرش لأنه أخطأ في اختيار شريكة حياته ( وتلك هي قصة " إدوارد الثامن " مع " واليس سمبسون " سنة 1937 ) . وعلى سبيل المثال أيضا ففي الولايات المتحدة – الجمهورية الرئاسية – جرى عزل وإخراج رئيس البيت الأبيض لأنه أخفى عن الرأي العام تصرفات مخالفة لروح القانون ( وتلك هي قصة " ريتشارد نيكسون " فيما عرف باسم قضية " ووترجيت " سنة 1974 ) .