لئن عرف تاريخ التصوف الإسلامي تجارب صوفية عظيمة ومضيئة طوال حقبات. فإن التجربة التي خاضها الحلاج بحياته، وكرسها بدمه هي من أهم التجارب تلك وأشدها خطراً وأعمقها أثراً. عاش الحلاج حياته كما لو أنه يحيا موته ويتهيأ له متجهاً نحوه كغاية من أنبل الغايات،
ولطالما كان في مقدوره أن يتحاشى موته المأساوي، وأن يستسلم لإغراءات العالم والسلطة متخلياً عن دعوته، لكنه لم يستطع إلا أن يعيش في صوفيته وفي كل لفظ قاله، وكل خاطر مرّ به... وشعره المكرس في هذا الكتاب هو المعبّر عن حالته الصوفية... فهو لم يكتب إلاّ ليشهد على ما يختلج في عمقه من أحوال وآلام ورؤى. وقد جاء شعره خفيض النبرة، رقيق العبارة... فهو كشاعر يملك أسرار الصنعة الشعرية... لكنه لا يستسلم لها كلياً، فكان شعره للعارف، أداة للكشف والمعرفة قبل أن يكون فنّاً بذاته... وإن استعان الحلاج بما يسمى الجناس والكناية والتلميح والإلماع فإنما ليؤكد وحدة التجربة التي تدمج الشعر والفكر وتصهرهما في نار الحدس والرؤيا والتأمل...
نحن نعمل على تصفية المحتوى من أجل
توفير الكتب بشكل أكثر قانونية ودقة لذلك هذا الكتاب غير متوفر حاليا حفاظا على حقوق
المؤلف ودار النشر.