مريد البرغوثي بصرير خشبة، وبضيق مساحته وقصر طوله. هو ذاك الجسر القصير مشت عبره الذاكرة إلى ذاك الأفق الرحب المشبع برائحة الأهل والمترع بالصور القديمة الساكنة في الوجدان. مريد البرغوثي فاز بجائزة عبوره ذلك الجسر الخشبي الصغير وكأنه بتجاوزه تمكن من المثول أمام أيامه، وجعل أيامه تمثل أمامه، يلمس تفاصيل منها بلا سبب مهملاً منها تفاصيل أخرى بلا سبب، مثرثراً لنفسه عمراً كاملاً، في يوم عودته ومن حوله يحسبون أنه في صمت عبر الجسر المحرم عليه بعد ثلاثين عاماً، وفجأة انحنى ليلملم شتاته، كما يلمّ جهتي معطفه إلى بعضها في يوم من الصقيع والتلهف. أو كما يلملم تلميذ أوراقه التي بعثرها هواء الحقل وهو عائد من بعيد وعلى مخدعه في تلك الليلة، ليلة العودة-لملم النهارات والليالي ذات الضحك، ذات الغضب، ذات الدموع، ذات العبث، وذات الشواهد الرخامية التي لا يكفيه عمر واحد لزيارتها جميعاً، من أجل تقديم الصمت والاحترام، وفي غمرة كل ذلك الروح شاحبة، والنفس ذابلة، وسؤال يقفز، ما الذي يسلب الروح ألوانها والنفس أنغامها؟!! وما الذي، غير قصف الغزاة أصاب الجسر؟. لملم مريد البرغوثي كل ذلك ليحكي في كتابه هذا رحلة عذاب فلسطين من خلال أسلوب قصصي شاعري رائع، جسد صدقه الإنساني المعذب والجميل.
كتاب رأيت رام الله - مريد البرغوثي
"رأيت رام الله" كتاب فاز بجائزة نجيب محفوظ للإبداع الأدبي (1997) هل هي رام الله سرّ الإبداع المحقق!! أم أنها الثلاثون عاماً من الغربة أشعلت في القلب الحنين والاشتياق إلى ساكني رام الله!! أم أنه الوطن المحرم المنتظر على مشارف جسر العبور... جسر العودة ذاك الذي سكن في ذاكرة