ولما كانت مقاربة مفكرنا معالجة روحية غير مسبوقة لهذا الإشكال المحير، لم يكن بد من أن يتعرض لمختلف الدعاوى التي تعلقت به، علمانية كانت أو ديانية، ناقداً من غير تشنيع، وبانياً من غير ترقيع؛ وبعد أن طاف بنا في عوالم الوجود الإنساني، منبهاً على اتساع آفاقها وتداخل حدودها، انتهى إلى أن حلّ هذا الإشكال الخفي ليس في وجود ضيق يفصل بين الدين والسياسة ، ولا في وجود دونه ضيقاً يصل بينهما، وإنما في تجاوزهما معاً إلى فضاء وجودي غاية في السعة يتداخل فيه المرئي والغيبي تداخل اللحمة والسدى؛ فهنالك لا فصل ولا وصل، وإنما وحدة أولى تتلاشى فيها الحدود بين التعبد والتدبير؛ وتجلّت هذه الوحدة الروحية في ثمرة اللقاء الغيبي الذي عرض فيه الخالق، سبحانه وتعالى، على خلقه أجمعين، في يومٍ لا كالأيام، أمانته الثقيلة؛ فبادل الإنسان إلى حملها، متعهداً بالوفاء بحقوقها؛ إذ قضى الخالق، جلّ في علاه، في هذا اللقاء العظيم أن يكون التدبير أمانة، فصار بذلك عبادة، وأن تكون العبادة، هي الأخرى، أمانة، فصارت بذلك تدبيراً؛ لكن ما لبث الإنسان أن نسي عهده للخالق، سبحانه، ونسي حقيقة " الأمانة"، ففصل ما كان موصولاً، ووصل ما لم يكن مفصولاً. "
الناشر (less)
كتاب روح الدين تأليف طه عبد الرحمن
💖 هل يمكنك المساهمة؟ 💖
عزيزي القارئ والقارئة من فضلك لا تتجاهل هذا. 📚 موقعنا يهدف إلى توفير مكتبة إلكترونية مفتوحة للجميع، مليئة بالكتب المجانية التي يمكن تحميلها بسهولة ودون إعلانات مزعجة. نحن نعمل بجد للحفاظ على هذا النظام، ولكننا نعتمد على التبرعات الصغيرة من مستخدمينا الكرام 🙏. إذا كان بإمكانك المساهمة، حتى بمبلغ بسيط، سيساعدنا ذلك في استمرارية الموقع وإبقائه مفتوحًا للجميع.
إذا وجدت فائدة في هذا الموقع، نرجو منك دعمنا 💡❤️."