كتاب طيب المقال في حديث الاستعجال بقلم أبو قتادة الفلسطيني..ثلاث عشرة سنة في المكان الواحد والفضاء الضيق والانجاز الظاهري المحدود مكثت الدعوة النبوية الشريفة في مكة، لم يُسلم خلالها إلا الأعداد الانسانية القليلة، ثم فيها هجرة الكثير من المؤمنين إلى أرض لم يكن فيها إلا حصول الأمان لهم، إذ بقوا هناك في عزلة عن المجتمع؛ فلم يدخلوا فيه كما لم يدخل المجتمع فيهم كذلك، والذين آمنوا بهذه الرسالة وهذا الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة إنما كان ايمانهم في السنوات الأولى، ولم يدخل خلال السنين التالية بعد الدفقة الأولى إلا أفراد قلة من هنا وهناك، ولو قرأت هذه السنوات من خلال المنجز الظاهر لما عدت في عمر الدعوات إلا مرحلة دفع لا يقابله القبض المكافئ له، وهي سنون أكثر من تلك التي تلتها في المدينة وحصل فيها القبض والنصر وبلوغ الشهادة ودخول الناس في دين الله أفواجاً، فلماذا كان هذا؟ وما هي الحكمة الألهية في ذلك؟
بلا شك سينشأ سؤال وهو حاضر في أذهان القادة والمسؤولين، وهو سؤال تحكمه قواعد المصالح التي حطت بشرّها في عمق العقل الفقهي المعاصر الذي أفسد الشرع وحقيقته، وهو السؤال الذي يعترف صاحبه أنه قد تنازل مقابل رفع البلاء عن الأتباع، وقدم لخصمه بعض ما يريد حتى يخفف عن الناس محنتهم وظروفهم وسأترك الاجابة على هذه الموازنة حتى يأتي مكانها في هذا الحديث العظيم الذي هو من الأحاديث اللازمة لمعالجة النفوس في هذا الظرف وهذه البيئة.