كتاب فتاوى فكرية للمؤلف عبد الله بن بيه هذا الكتاب يشتمل على بحوث عديدة كانت نتيجة حوارات وندوات في ديار الغرب وغيرها فبعد المقدمة التي رسمت الإطار العام للكتاب وأثبتت بالبرهان مشروعية الحوار وشروطه وغاياته وضوابطه. تناول في : - الموضوع الأول: الديمقراطية والشورى مقارنة من حيث التعريف والمرجعية ونقاط الالتقاء ونقاط الاختلاف وحول ممارسة الديمقراطية والشورى في العالم الإسلامي . -الموضوع الثاني: حقوق الإنسان حدد معنى الحقوق وأصولها في الإسلام وعند الغرب
والاتفاق والاختلاف القائم على اختلاف مفهوم النظام العام والأخلاق وفى ختامه توصل الشيخ للاتفاق مع مبادئ الإعلان العالمي في الجملة والاختلاف مع حرفيته وبعض تفاصيله . - الموضوع الثالث: عن القيم الإنسانية المشتركة - الموضوع الرابع : الثقافة العربية والمستقبل - الموضوع الخامس: تكفير من لم يحكم بما أنزل الله بدأه بتعريف الردّة والكفر – خطورة التكفير – أقوال العلماء في موضوع التكفير من لم يحكم بما أنزل الله – الترجيح بين الأقوال باعتبار الأدلة ثم خاتمة فيها نتيجة البحث والخلاصة . - الموضوع السادس والأخير : أي إسلام نريد ؟ وفى هذا الكتاب اسمع الشيخ يقول : إن المجتمع الإسلامي يعيش أزمة واضطرابا مفاهيميا يعطل كل قدرته على التطور ومكافحة التخلف بل تشل كل قواه التفكيرية إنها الفتنة . إن هذا الوضع يرجع إلى أربعة عوامل جوهرية: العامل الأول: التفاوت في درجة التدين بين الأفراد في المجتمع الواحد الذي يغذيه رافدان تربويان متباينان كل التباين : رافد ينبجس من ينبوع الثـقافة الإسلامية طبقا لجملة من المفاهيم الموروثة التي يمثـل بعضها حقائق دينية لا يمكن الجدل فيها بينما يمثل البعض الآخر اجتهادات قد يروج بعضها على حساب اجتهادات أخرى لظروف معينة ومتغيرة . أما الرافد الثاني فهو رافد مستوطن بنسب متفاوتة طبقا لخصائص كل مجتمع متمثلا في التيار المتغرب بمفاهيمه الفلسفية ونظمه التي لم يتكلف عناء تكييفها تكييفا غير قسري بالبيئة الأصلية ولهذا فإنه لم ينجح في جعله أداة لتطوير اجتماعي طوعي يحدّ من سلبياته. العامل الثاني : التخلف التنموي الذي يجرُّ وراءه موكبا مخيفا ومريعا من الفقر المدقع وغلاء المعيشة وتدهور أوضاع الطبقات الدنيا والمتوسطة وارتفاع هائل في أعداد العاطلين الذين طعنتهم رحى البطالة وبالأخص الشباب الذين تساورهم الحيرة من جرّاء غموض المستقبل وانسداد أفـق الحصول على عمل يضمن حدا أدنى من الدخل الذي يكفل عيشا كريما ولو متواضعا يتمثـل في المسكن والزواج والغذاء والكساء . تلك الحالة النفسية اليائسة التي تتحول تدريجيا إلى ثورة بركانية هائجة لا يمكن عن نتائجها. العامل الثالث : العلاقة بين الحاكم والمحكوم وهذه تشكّل أزمة أخرى من الأزمات الفكرية والتطبيقية فمن الناحية النظرية لا يوجد اتفاق على فلسفة للحكم وآلياته المختلفة . ومن الناحية العملية لا يوجد اتفاق على الممارسات القائمة بين السلطة والأفراد في أكثر من قطر من أقطار العالم الإسلامي. هذه الأزمة يمكن محاولة الاقتراب من فهمها بتقرير وجود تيارين فكريين أساسيين طبقا للتصنيف الذي أشرنا إليه في العامل الأول التيار الديني الذي يدعو إلى قيام العلاقة بين الحاكم والمحكوم على أساس البيعة الشرعية "بيعة أهل الحل والعقد" على كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم مع ما يستتبع ذلك من وجوب الطاعة فيما ليس بمعصية مجمع عليها وعدم نزع يده حتى ولو جار طبقا لمقولة الإمامين مالك بن أنس وسفيان الثوري : " سلطان جائر سبعين سنة خير من أُمة سائبة ساعة من نهار" ويجوز لهذا الإمام أن يعهد لمن يشاء ليتولى الحكم من بعده والفلسفة الإسلامية في هذا تقوم على قاعدة جوهرية مفادها أن الاستقرار وقطع دابر الفتن راجح على التغيير العنيف مهما كان واعدا . إن التيار الذي يسميه البعض بالمحافظ أو التقليدي هو الفكر الذي ظل سائدا طيلة القرون الماضية عند أهل السّنة وما زال إلا أنه تولدت داخله اتجاهات فكرية ذات ميول تطمح إلى تفسير مذهب أهل السنة تفسيرا لا يقاوم إغراء رياح التغيير بحيث ينزع إلى تقمص الفكر الخارجي نسبيا. أما التيار الثاني فهو التيار التحديثي الذي يعتنق الديمقراطية الغربية التي تقوم إجمالا وباختصار شديد على أساس العقد الاجتماعي كما سماه جان جاك روسو وفلسفة هذا العقد تمنح الفرد دورًا بارزا في إثبات الحكم ونفيه مع ما يمكن إن ينتج عن ذلك من حل وترحال دائم في الهيئة الحاكمة كحال الحكومات الإيطالية إلا أنه على كل حال يجعل الفرد يعيش شيئا من التوازن النفسي لشعوره بضلوعه فيما يجرى ودوره بالفعل أو بالقوة في آلية الحكم . لسنا بصدد مناقشة دستورية بل المقصود ملاحظة كون هذين التيارين العريضين هما المسيطرين على الساحة الفكرية هذا هو مسجر تنور الأزمة التي تهز أكثر من قطر من أقطار العالم الإسلامي حيث تقوم أنظمة سلطوية لا هي قامت على عقد البيعة ولا على العقد الاجتماعي وبالتالي فإنها أيديولوجيا على الأقل لم تُرض أيا من الفئتين المتميزتين فكريا ولا جرم قد توجد ألوان أيديولوجية توفيقية تأخذ من هذا وذاك. العامل الرابع :هو الإعلام بصنوفه وصروفه وقصوره وشفوفه هذا الإعلام الذي جعل الأرض بحق قرية كونية لا أسرار فيها ولا حواجز بل لا خصوصيات فيها على الإطلاق . أصبحت الصحافة تنشر فضائح القرية على الملأ حتى لم تعد توجد فضائح على حد قول الشاعر: على أنها الأيام قد صرن كلها عجائب حتى ليس فيها عجائب الإعلام أصبح مقدمة ونتيجة ووسيلة وغاية لا يوجه الأفكار بل يصنع العقول إن أخبار الجرائم على الرد والتكرار تعدى الأصحاء وتنكس الأسوياء والتفنن في عرض النزاعات هو تحريض فما ينشب نزاع حتى تصنف أطرافه ويدفع لكل منهم لقبا ليدافع عنه وهكذا تذكى الصحافة نار الفتنة بإيعازها الماكر وتؤججها بالكلمة المسمومة وقديما قيل " وأن الحرب أولها كلام " هذه العوامل متضامنة شكّلت خلفية النزاع الحاد والأزمة الخانقة التي استعملت فيها أدوات التبرير ووسائل الدفاع من طرفي الأزمة فأصدرت أشنع الأحكام وأقبح الأوصاف والألقاب بما فيها الخروج على الشرعية المكتسبة من جهة والتكفير والارتداد من الجهة الأخرى وهى أحكام لا تقبل الاستئناف ولا تحتمل الاعتراض على حيثياتها فالمعترض أو المعارض يخاطر بتعريض نفسه لتهمة مماثلة فضاقت بالحياد الأرض بما رحبت وهلك خلق لا هو في العير ولا في النفير . ونعترف أن ما ذكرناه ليس تحليلا كاملا لجذور الأزمة وهى أزمة يمتزج فيها الموضوعي بالذاتي والديني بالنفعي والضرورات بالمتطلبات الروحية والحضارة والتاريخ بمقتضيات العصر والتعايش مع الأمم الأخرى إنها الحياة الإنسانية بكل أبعادها .