والمخاطبون المعنيون الأول وبعبارة أخرى بهذه الفتوى، فهم، بدون شك، الفقهاء والمتكلمون، خاصة منهم "من نهى عن النظر" في كتب القدماء-ومنها "كتب الحكمة"-وحكموا بالكفر على المشتغلين بها، بدعوى أنهم "خرقوا الإجماع" بتأويلهم أشياء في الشرع قيل عنها: "أجمع المسلمون على حملها على ظواهرها."
نحن إذن إزاء فتوى ردٍّ واستئناف، ضد فتوى ابتدائية قضى فيها أصحابها بـ: 1- النهي عن النظر في كتب القدماء ومعلوم أن في مقدمتها كتب النطقة والفلسفة 2- تكفير الفلاسفة المسلمين لكونهم، في نظر أصحاب الفتوى، "خرقوا الاجتماع" في التأويل. قضيتان تصدى لاستئناف النظر فيهما قاضي قضاة قرطبة الفقيه أبو الوليد ابن رشد الفيلسوف، فانتهى به إلى إصدار فتوى أخرى تبطل الأولى. وهذه الفتوى الاستثنائية تستند، كجميع الفتاوى والأحكام القضائية، على حيثيات يعرضها الفقيه الفيلسوف، عرضاً مفصلاً، يعتمد فيه على المعقول والمنقول معاً، موظفاً ثقافته الفقهية والكلامية والفلسفية الواسعة وقدرته الجدلية والبرهانية الفائقة
كتاب فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال - ابن رشد
كتاب فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال بقلم ابن رشد..إن القضية التي يطرحها ابن رشد في كتابه "فصل المقال في تقرير ما بين الشريعة والحكمة من اتصال" هي بلغتنا المعاصرة: قضية العلاقة بين الدين والمجتمع كما طرحت في التاريخ العربي الإسلامي إلى عهده. وإذا أردنا تلخيص مضمون هذا الكتاب وجب القول أنه فتوى نقض وإبرام في شرعية الفلسفة، وتأسيس لفقه التأويل، ومن وراء ذلك طرح العلاقة بين الدين والمجتمع. وبعبارة أخرى الكتاب هو بيان حكم الشرع الإسلامي في "علوم الأوائل" وبالتخصيص "الفلسفة وعلوم المنطق."