الديمقراطية. ويخلص إلى أن الموضوع لا يمكن أن يحل عربياً من دون مشروع سياسي وطني، وأجندة ديمقراطية وطنية، ودون ديمقراطيين ينتظمون معاً لطرح مشروعهم الديمقراطي وتصورهم لمستقبل البلدان العربية مجتمعة وكل على حدة. ومن ثم جاء عنوان الكتاب، "في المسالة العربية: مقدمة لبيان ديمقراطي عربي". نبذة موقع النيل والفرات: هذا الكتاب هو نتاج بحثي متواصل واستمرار لعملي المركزي الفكري السابق الذي صدر عن المؤسسة نفسها تحت عنوان المجتمع المدني، حيث عالج تاريخ تطور وفعالية ذلك المفهوم في فهم وتفسير واقع وتطور المجتمعات الرأسمالية المتطورة حتى الديمقراطية في مقابل قصوره كما استورد واستخدم عربياً في مرحلة أزمة اليسار العالمي. واعتبرنا هذا القصور وهذا الاستخدام من مظاهر تجنب الفعل السياسي ومن مظاهر الانسحاب من نظرية الدولة ومن عملية بناء المجتمع المدني فعلاً، وذلك في عملية تفاعل جدلي مع الدولة. والكتاب بحث نظري في التحول الديمقراطي والاستثنائية العربية. وقد نتج من وحي التفاعل مع الأزمات العربية الأخيرة وتجربة الكاتب الشخصية في طرح وصياغة الفكرة القومية العربية وفكرة المواطنة الديمقراطية في ظروف شديدة التعقيد والتناقض. وبالعودة لمضمون الكتاب نجده الاستثنائية العربية بشأن الديمقراطية تحت عنوان أشمل هو ما يمكن تسميته بـ"المسألة العربية". ينطلق الكتاب من محاولة لفهم معوقات التحول الديمقراطي: هل هنالك استثنائية عربية؟ وما هي؟ فيعالج الفصل الأول الموضوع المثار في الفكر والسياسة، ومخاطر طرح المسألة كقضية تدخل أجنبي استعماري، وبخاصة بتفنيد نظريات المحافظين الجدد وشركائهم النيوليبراليين العرب ويحاول أن يميز في هذا الفصل بين شروط نشوء الديمقراطية تاريخياً ومكوناتها الجاهزة والمتطورة إبان عملية إعادة إنتاج ذاتها. ويعتبر هذا التمييز مفيداً لحسم الحاجة إلى ديمقراطيين في عملية التحول الديمقراطي. ويعالج هذا الفصل مسألة الروح السائدة في مرحلة التحول الديمقراطي وتطلعها الثوري إلى العدالة والحرية والإنصاف، ويبين حالة الانحلال وقيمه التي تبث لتقبل التدخل الأجنبي الاستعماري في فرض الديمقراطية نظاماً. ويعتبر هذه السياق ليس فقط غير مفيد للديمقراطية والتحول الديمقراطي فحسب بل يلحق أشد الضرر بالديمقراطية وقضيتها. ولا يمكن فهم ذلك من دون فهم المسألة العربية وطبيعة التدخل الأجنبي في ظل وجودها كمسألة مفتوحة. وسوف يعود القارئ إلى هذا الموضوع في الفصول الأربعة الأخيرة من الكتاب، وسوف يكون على بينة أكبر بعد أن عولجت مسائل التحول الديمقراطي. أما الفصل الثاني فيعالج التوجه لنظريات الانتقال إلى الديمقراطية كنظريات نشأت بأثر رجعي ولا تصلح دليلاً للعمل ولا بديلاً للعمل، وهي غالباً ما تفسر عوائق الانتقال إلى الديمقراطية أو أسباب الردة عنها أكثر مما تفسر سبب أو كيفية الانتقال إلى الديمقراطية. ويتطرق الفصل الثالث إلى موضوع مطروق و علاقة الاقتصاد الريعي بالتطور الديمقراطي، ولكن يتم تناوله من زويا مختلفة وبخاصة في ظل المسألة العربية، ويحاول أن يكشف كيف أن هذه المسألة تجعله يتجاوز دوره داخل دول صغيرة إلى تأثير ثقافي سياسي أوسع، كما يتطرق إلى بروز اقتصاد ريعي ذي طابع أمني سياسي متعلق بالمسألة العربية. أما الفصل الرابع فيعالج مسألة الثقافة السياسية والتهمة الموجهة إليها بإعاقة التطور الديمقراطي. إذ يعود إلى أصول هذه النظرية الحديثة، ثم يفصل بين المشروع وغير المشروع في استخدام هذا المفهوم كأداة تفسير. ويعتبر الكتاب هذه النظرية في حالة هانتنغتون من عناصر تأسيس سياسات الهوية في طرح العلاقات والصراعات بين الدول والشعوب، وبخاصة أن الثقافة تختزل لديه في النهاية إلى دين، أو انتماء إلى دين بعينه. في ضوء ما قيل نطرح في الفصلين الخامس والسادس قضيتين جرت العادة على اعتبارهما مسألتين ثقافتين سياسيتين. ونحن نعتبرهما قضيتين مهمتين ورئيسيتين لأنهما يشملان بعد الثقافة السياسية وبعد البنية الاجتماعية وتشابكها مع المسألة العربية. فنطرح في الفصل الخامس معضلة تقربنا من العوائق العينية العربية وبخاصة وحدة الاجتماع والاقتصاد والسياسة في إطار القبيلة، حتى لو كانت بنية مستترة للنظام، وما ينجم عن ذلك من تشويه للفصل بين عناصر الدولة ومكوناتها، وهو الفصل بين دولة مجتمع اقتصاد، وبين حزب ورأي وانتماء عائلي، وفرد وجماعة وغيرها. وجميعها تمفصلات لازمة لبناء دولة حديثة، ناهيك بالتحول الديمقراطي. فلا حديث عن دولة حديثة من دون قدرة على تخيل الفصل بين الحيز الخاص والعام، عند الحكام والمحكومين. وإذا كان إشكال الفصل الخامس متعلقاً ببنية القبيلة في مقابل القومية وأمة المواطنين في آن، فإن الفصل السادس ينتقل إلى تفرع آخر للمسألة العربية في تعقيد آخر لعملية تشكل الأمة، وهو العلاقة الإشكالية بين الفكرة القومية والإسلام كدين وكحضارة. وتوضح الفكرة من خلال التمييز، لا افتعال التناقض بينهما، مع اعتبارهما ثقافياً وتاريخياً وحدة عناصر متمايزة لا تنفصل. يراجع الفصل السابع مسألة المواطنة نظرياً لتتضح في النهاية الفجوة بين شروطها ومكوناتها وبين ما جرى معالجته حتى الآن. ويقارن النص بواسطة العودة إلى المواطنة في الـ"بوليس" والمواطنة الحديثة بين نموذجي المواطنة في التاريخ، ويخلص إلى نتيجة مفادها أن المواطنة الحديثة هي مواطنة الفرد، الإنسان المتفرد في المجتمع، الحامل للحقوق في علاقته مع الدولة، ولكن الطريق إليها ليست عكس طريق بناء الأمة بل تنسجم معها وفيها. وإذ يلامس القارئ هنا مسألة الطائفية والهوية ينتقل في الفصول الثامن والتاسع والعاشر إلى معالجة عينية للاستثنائية العربية. ويظهر الفصل الثامن الفرق بين ما سمي أمريكيا في مناطق أخرى من العالم عملية بناء الأمة وعملية هدم الأمة في حالة التدخل في العراق عبر تجاهل المسألة العربية، ومحاولة زرع فكرة أن التعددية الديمقراطية هي التعددية الطائفية وأنها ممكنة دون قومية. وينتقل البحث في الفصل التاسع من جديد إلى المسألة العربية بحيث تعالج نظرياً عملية فتح المسألة العربية تاريخياً، ومعنى تطور القومية العربية الأيديولوجية من القومية الثقافية والسياسية في ظروف عدم تمكنها من بناء الدولة وبناء ذاتها من خلال الدولة. ويبين البحث أنه في حالة إدراك خطورة وأهمية المسألة العربية يستنتج أنه لا بد للفكرة القومية حاضراً أن تكون فكرة ديمقراطية. ويراجع الفصل بسرعة عملية تحولها من فكرة ديمقراطية لتأسيس إطار سياسي قومي إلى فكرة جوهرانية غيبية الطابع معيقة لفهم العلاقة بين المواطنة والقومية وأمة المواطنين. ويناقش الكتاب في هذا الفصل ضرورة الفكرة العربية من أجل التحول الديمقراطي في كل بلد عربي على حدة، كما يناقش أعداء الفكرة القومية الذي يطرحون تضاداً مصطنعاً بينها وبين الديمقراطية. وفي الفصل العاشر يتم التعرض أخيراً لتجربة الإصلاح السياسي العربية وقد اختيرت زاوية واحدة من النموذج المصري، لأنها تجربة تصلح للتعميم من حيث عدم قيام تجربة برلمانية ذات بال عن الإصلاح السياسي في الدول العربية التي خاضت هذا الإصلاح مبكراً نسبياً، فإصلاح البرلمان في نظام غير برلماني لا يعني الكثير. ونشوء حزب الرئيس يعطل القليل الذي يعنيه هذا الإصلاح. وهذا أيضاً ما يعنيه عدم المس بمصادر السلطة ومراكز صنع القرار الرئيسية التي تبقى فوق الإصلاح وتبادر إليه في خدمتها، واقتصاره على مناطق السلطة غير الصانعة للقرار. يتقدم الكتاب من هنا إلى الآليات التي يستخدمها النظام السياسي العربي لإفراغ الإصلاح من محتواه، وأهمها ما يتعلق منها بالمسألة العربية، مثل اللعب على تناقض داخل وخارج، وتدخل أجنبي ومصالح وطنية تربط قسراً بالنظام القائم، واللعب على تناقض القوى التقليدية والحداثوية، واستثمار الطائفية والعائلية في الولاء وغيرها من الآليات التي أفرزتها المسألة العربية كقوى سياسية قائمة. يكشف هذا الفصل فعل العوامل التي نوقشت في فصول سابقة من خلال عملية الإصلاح السياسي ذاتها وتعثرها وخيباتها. والكتاب برمته إذ يستعرض معيقات التحول الديمقراطي إنما يهدف إلى المساهمة في الجمع بين الفكرة القومية والديمقراطية، كما يعتبره مساهمة في تبيين أنه لا غنى عن تنظيم القوى الديمقراطية سياسياً لطرح مشروع التحول الديمقراطي. فنظريات التحول، وهي ليست نظريات علمية فعلاً، إذا تحولت إنما يهدف إلى المساهمة في الجمع بين الفكرة القومية والديمقراطية، كما يعتبره مساهمة في تبيين أنه لا غنى عن تنظيم القوى الديمقراطية سياسياً لطرح مشروع التحول الديمقراطي. فنظريات التحول، وهي ليست نظريات علمية فعلاً، إذا تحولت إلى بديل من طرح مشاريع سياسية للتحول تصبح في الواقع معيقاً خطيراً يستبدل الفعل السياسي بالنظرية بدل أن يستنير بها. يحاول الكتاب أن يقدم حلاً ديمقراطياً للمسألة القومية ومقاربة قومية لمسألة الديمقراطية، ولكنه يصل إلى نتيجة مفادها أن الموضوع لا يمكن أن يحل عربياً من دون مشروع سياسي وطني، وأجندة ديمقراطية وطنية، ومن دون ديمقراطيين ينتظمون لطرح مشروعهم الديمقراطي وتصورهم لمستقبل كل بلد ولمستقبل البلدان العربية، أي أن البحث يؤكد ضرورة "تدخل" سياسي وطني بدل التدخل الأجنبي، ومن زاوية نقد التدخل الأجنبي. وهذا هو السبب من وراء اختيار عنوان مقدمة لبيان ديمقراطي عربي.
يعالج هذا الكتاب الاستثنائية العربية التي تعيق حدوث تحول ديمقراطي في العالم ا لعربي. ويتناول الكاتب هذا الموضوع تحت مسمى "المسألة العربية" الشامل للدلالة على عدم حل المسألة القومية العربية بتشعباتها المختلفة. ويستعرض معيقات التحول الديمقراطي بالجمع بين القومية والديمقراطية.