الأولى حيث كان نيتشه أحد المتيمين بفاغنر ، المعجبين به و المتأثرين به كحال بقية الشباب الألمان. و يعود سر التأثر هذا لنوعية الموسيقى التي كان يستخدمها و يوظفها فاغنر و أدبياته المسرحية التي كانت تعكس مفاهيم الترانسدتالية ( الصدق، الاخلاص، العظمة، اللا أنا و غيرها) و كان فاغنر متمكناً من ايصال هذه المفاهيم عبر موسيقاه بشكل مؤثر جداً. التغير في علاقة نيتشه بفاغنر بعد سنوات طويلة من التبعية ، يعزوه نيتشه لتغير مفاهيمه الفلسفية فهو الان ضد الترانسدتالي و ضد المتعالي الذي بشر بأفوله و بشر بالعودة للواقع ، حيث حارب كما يقول - طرح الفلاسفة للمفاهيم المتعالية التي لا يوجد لها مصاديق في الواقع. نيتشه إن صح أن نسميه فيلسوف العودة للواقع يقدم نفسه كضد لكل ما ينسب نفسه للمثل الأفلاطونية - و هكذا لم يكن يجد في فلسفة هيغل فقط تجسيداً للبحث عن مثل خيالية ، بل كذلك في موسيقى فاغنر فانبرى يصب جام غضبه على الاثنتين الفلسفة و الموسيقى. حلل موسيقى فاغنر و تركيبتها و درس أثرها المباشر على الفيزيولوجيا الانسانية و المزاج و الاعصاب ، هكذا يوصل لنا مفهوم الموسيقى ، فيقول "ما الذي أحتاجه أنا من الموسيقى سوى أن تجعلني خفيفاً قادراً على التحليق ، لا كموسيقى فاغنر التي تثقلني بالهموم ". رفض نيتشه المتعالي فلسفةً فرفض معه المتعالي نغماً و موسيقىً كذلك و ربط بينهما فقال أنه لا وجود للجميل في حد ذاته، في إشارة منه لنقد فلسفة هيغل الاستطيقية ( فلسفة الجمال). و قدم لنا رؤية بديلة عن الموسيقى الفاغنرية و هي الالحان الزرادشتية التي ختم بها كتابه ببعض الأبيات الشعرية كعادته الأدبية المتميزة يقول : فقيراً عليك أن تصبح ، أيها الأحمق الحكيم، إن كنت تريد أن تكون محبوباً فلا يحب الناس غير المتألمين و لا يمنح الناس محبةً إلا للمعوز الجائع: لتغدق على نفسك أولا، أي زرادشت.
كتاب قضية فاغنر يليه : نيتشه ضد فاغنر - فريدريك نيتشه
هذا العمل هو مغاير في طبيعته لبقية أعمال نيتشه حيث يتعرض بشكل شخصي لريتشارد فاغنر - الموسيقي الألماني الملحن و مؤلف الأوبيرات ، لقد مرت علاقة نيتشه بفاغنر بمرحلتين متناقضتين :