كتاب قناص ببندقية من ورق من تأليف نجاة الزباير .. كتاب نقدي يتناول تجربة الشاعر المغربي عبد الرحيم الخصار، مما جاء في تقديمنا للكتاب :"الشعر المغربي المعاصر غني بأسماء حفرت مجرى متميزا في خريطة الشعر المغربي والعربي، فتلاقحه مع ثقافات ولغات مختلفة؛ عربية وأجنبية، جعلته يطوف جغرافيات معرفية متعددة.
فـ"لم يَعد النص الشعري في إطار التجربة الشعرية المغربية المُعاصرة نصاً واحداً ثابتاً ومعلوماً، وإنما أصبح نصاً متغيراً باستمرار، يخضع لفلسفة الشاعر وقدرته على الترويض أكثر. أصبح نصاً مفتوحاً ومغايراً لسابقيه".(1)
ومن خلال التراكمات الشعرية المتنوعة، تم إفراز أصوات تتوهج داخل مسكن الكتابة. لأن"ما يحكم مغامرة الراهن الشعري بالمغرب هو الاختلاف والتعدُّد، بسبب ما يحفل به المشهد الشعري من تعدُّد مثمر وحياة خصيبة وواعدة، ومن ثراء المتن الشعري المغربي المعاصر كمّاً ونوعاً، وتجاذب منتجيه من كلّ أعمار الكتابة وجمالياتها ورؤاها للذّات والطبيعة والعالم".(2)
ومن بين هؤلاء الشعراء؛ عبد الرحيم الخصار، الذي يكتب بألوان الطيف قصائده كأحد فرسان قصيدة النثر، التي "تمظهرت بأشكال ورؤى متباينة ونهلت من منابع متعددة؛ فهي تجربة تتقاطع فيها النصوص الطويلة والقصيرة، ويتداخل فيها الغنائي والسردي، الدرامي والتشكيلي، ويتشابك فيها الذاتي والإنساني. (3)
فهو من "الذين أبانوا من خلال اجتهاداتهم واقتراحاتهم النصية، عن وعيهم باشتراطات الحساسية الجديدة، فانحازوا إلى شعريّتها المختلفة التي تقوم على تنوّع الرؤى وتمايزها، بنسب محدّدة، عمّا سبقها، وتكشف عن تحوُّل في الحسّ الجمالي، وفي مفهوم الذات والنظر إلى العالم، وفي تقنيات التعبير الفني للقصيدة خاصة، وللكتابة عامّة". (4)
إنه ذلك القناص القادم من أقاصي المعاني، والذي أوقد نار شعره للقارىء، واضعا أمامه طرائده التي سقطت من سماء تجربته الغنية بالإحساس الشفيف. "أنا مدين للأدب الجيد الذي قرأتُه."(5) يقول.
هذا الشاعر الذي راهن على انتصار الجمال على القبح، وبسط في شعره حلمه الذي حلَّقَ عبرَ الحضارات، كي يقربنا من وجوده الشعري المسكون برؤيته العميقة نحو الإنسان والكون.
إذ يحاول إعادة بناء عوالمه من خلال حضور الذات القلقة التي كانت آلة تواصل بين هويته الثقافية والإنسانية.
فكلما فتح دفاتره أصغى الصمتُ، ونثرتْ أشعاره أزهار البيلسان التي تسكن الروح. وكأنه يقول كما في مطلع إحدى الأغنيات الشهيرة للسيدة فيروز (وحدن بيبقوا مثل زهر البيلسان).(6)
ويعتبر الشاعر المتميز عبد الرحيم الخصار مثل بحَّار هادئ وسط ضجيج الحياة، ينقل إلينا صخب روحه في قصائده، وهو يعزف على أوتار الاختلاف عوالمَه التي تحمل رؤاه الخاصة.
أو ليست اللغة هي مرآة الشاعر؟
يقول: "أكتب على الورق تفاصيل من حياة عشتها وأعيشها. أفكاري الصغيرة وأحلامي وهواجسي ومخاوفي، تفاصيل الحياة ونظرتي إلى هذه التفاصيل كلها أشياء تتحول من طين إلى آنية فخار داخل المسكن الشعري."(7)، لأن "كلّ ما نخلع عليه إحساسنا، ونفيض عليه من خيالنا، ونتخيله بوعينا، ونبثُّ فيه من هواجسنا، وأحلامنا ومخاوفنا، هو شعر وموضوع للشعر لأنه حياة وموضوع للحياة(.(8)
هكذا قررنا من خلال هذا العدد من كتاب أفروديت، الولوج إلى بعض غرف هذا الشاعر الموهوب الذي جعلنا نُرْهِف السمع لموسيقاه، حيث وضع تحت مجهر الشعر تفاصيل بحثه المضني عن الحلم المفقود، وهذا ما جعل من الألم وقودا لشعره.
"فأن نقرأ يعني أن نخترق، أن نتملك، أن نسافر في فكر ـ الشاعر وخياله، أن يخترق العملَ بصرُنا، أو نتسلل إليه، أن يخترقنا صوته الشعري، أن يتكلم نيابة عنا، أو نتكلم نيابة عنه، أو بصوته.(9)
فكانت رحلتنا داخل دواوينه التالية:
(عودة آدم، نيران صديقة، أنظر وأكتفي بالنظر، وبيت بعيد.)
الهــوامش
1. عبد الحق وفاق، "آليات الكتابة والتعبير في القصيدة المغربية المعاصرة"
https://tarbawiyat20.blogspot.com/2020/11/blog-post_22.html
2. د. عبد اللطيف الوراري، "من الجيل إلى الحساسية: في راهن الشّعر المغربي وجماليّاته الجديدة"
https://www.anfasse.org/index.php/2010-12-30-15-40-11/2010-12-30-15-36-…
3. عبد الله رشيق. في شعرية قصيدة النثر، منشورات اتحاد كتاب المغرب. ص:41.
4. د. عبد اللطيف الوراري، مرجع سابق.
5. صفحة الشاعر عبد الرحيم الخصار الرسمية فيسبوك
6. الكلمات للشاعر طلال حيدر ولحنها زياد الرحباني
7. "الاتحاد الاشتراكـي" 02/08/2017 حاورته: شهـرزاد عجرودي http://alittihad.info/ الشاعر-عبد-الرحيم-الخصار-للاتحاد.
8. أدونيس (علي أحمد سعيد)، مقدمة للشّعر العربي، الطّبعة الأولى، بيروت، دار العودة 1971، ص 126-127.
9. خالدة سعيد، فيض المعنى، دار الساقي، الطبعة الأولى 2014، ص:12.