كتاب للتنوير والدولة المدنية بقلم جابر عصفور.. مبدآن ورثت بعض مكوناتهما من رواد الفكر المصري الحديث الذين أعدهم مسهمين أساسيين في تكويني العقلي، يتصل هذان المبدآن بفكر التنوير والدولة المدنية في آن.
أما التنوير فقد سعيت إلى تأصيل تأويل عربي للتنوير الأوروبي الذي رأيت له جذوراً وأصولاً في تراثنا الإسلامي العقلاني، سواء عند المعتزلة وأشباههم من المتكلمين أو عند الفلاسفة العرب والمسلمين. ولقد سبق لي أن قلت منذ سنوات غير قليلة، في كتابي "أنوار العقل" (1996) : إن التنوير يقوم على أساس عقلاني، لا معنى له بعيداً عنه، وإن المكانة الإنسانية المتميزة للعقل في تراثنا الفلسفي العربي هي الأساس النظري لأي فهم للتنوير، لا أستثني من ذلك ميراث التنوير الغربي الذي لا يزال قائماً، راسخاً، تتعدد صوره وتجلياته منذ "عصر الأنوار" في الحضارة الأوروبية.
ويقيني أن ميراثنا العقلاني هو الذي لا يجعلنا نشعر بالغربة حين نتوقف عند الأفكار التي أنتجتها حركة التنوير الأوروبية في القرن الثامن عشر، أو نفيد من أفكار هذا الفيلسوف أو ذلك من فلاسفة التنوير القدماء والمحدثين في أوروبا، ذلك لأن احترام العقل ومنحه الاولوية في تأسيس المعرفة الإنسانية، في مجالاتها المتعددة، يظل القاسم المشترك الذي يصل بين تراثنا وغيره، وهو أصل الإضافة التي أضاف بها التراث العربي إلى التراث اليوناني السابق عليه، وأصل ما انتقل من تراثنا إلى التراث الأوروبي الأحدث الذي أفاد من تراثنا العقلاني، قبل أن يضيف إليه، مؤسساً فكر "النهضة". وذلك منذ أن كانت "الرشدوية" إحدى بدايات النهضة الأوروبية وازدهار تياراتها العقلانية