أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت كتاباً جديداً ضمن سلسلة "أولستُ إنساناً؟"، بعنوان "معاناة المريض الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي"، يتناول ما يعانيه المرضى الفلسطينيون جراء الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال بحقهم وبحق القطاع الصحي الفلسطيني، بدءاً من الفجوات الصحية بين اليهود والعرب، والتجارب التي تُجرى على المرضى، مروراً بأثر الحصار وإغلاق المعابر على مرضى قطاع غزة وابتزازهم، وتبعات الحواجز الإسرائيلية والجدار العازل على مرضى الضفة الغربية، وصولاً إلى معاناة الأسرى المرضى داخل سجون الاحتلال، والاستهداف المتعمد للطواقم الطبية.
ويقع الكتاب، الذي أعدّته فاطمة عيتاني وعاطف دغلس وحرره د. محسن صالح، في 127 صفحة من القطع المتوسط. وهو الجزء الحادي عشر من سلسلة "أولستُ إنساناً؟"، التي تتحدث عن جوانب المعاناة المختلفة الناتجة عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وتشريد شعبها، بأسلوب يخاطب العقل والقلب، وفي إطار علمي منهجي موثق.
ويورد الكتاب العديد من الحالات التي يعاني أصحابها معاناة مضاعفة بسبب العراقيل التي يضعها الاحتلال أمام حصولهم على العلاج اللازم، إلى جانب معاناتهم الأصلية جراء المرض، مشيراً إلى صعوبة أوضاع المؤسسات الصحية المختلفة التي تؤمن العناية الصحية للفلسطينيين جراء تلك العراقيل. ويتناول في هذا السياق حالات التأخير على الحواجز الإسرائيلية وبوابات الجدار العازل والمعابر، وإعاقة وصول المرضى والمصابين والحوامل إلى مراكز العناية الصحية، مشيراً إلى أن عدد الشهداء بسبب الحواجز بلغ 401 شهيد منذ بداية انتفاضة الأقصى وحتى 31/1/2011. بالإضافة إلى تناوله تدهور الوضع الصحي في قطاع غزة جراء الحصار الإسرائيلي المفروض عليه منذ منتصف سنة 2007، والذي أدى إلى نقص خطير في الأدوية، والتجهيزات الطبية، والاحتياجات الأخرى اللازمة لتشغيل المستشفيات والمعدات الطبية وسيارات الإسعاف، وأبرزها الوقود والكهرباء، وتسبب حتى الآن في استشهاد 380 فلسطينياً.
كما يضم الكتاب إحصاءات مقارنة توضح حجم الفجوة بين الرعاية الصحية المتوفرة للإسرائيليين وتلك المتوفرة للفلسطينيين، مشيراً في هذا السياق إلى أن متوسط نصيب الفرد من مخصصات الصحة لسنة 2008 بلغ في "إسرائيل" 2,145 دولاراً، في حين لم يتجاوز في مناطق السلطة الفلسطينية 165.5 دولاراً، كما أن عدد أسرّة المستشفيات في سنة 2009 بلغ في "إسرائيل" 42,119 سريراً، مقابل 5,058 سرير فقط في المستشفيات الفلسطينية.
ويتطرق الكتاب لإجراء المستشفيات الإسرائيلية تجارب طبية على مرضى فلسطينيين، بينهم أطفال ومسنون ومختلون عقلياً، دون الحصول على موافقة المرضى أو أوصيائهم القانونيين، ودون مراعاة المواثيق الدولية الناظمة لإجراء التجارب الطبية على المرضى، عدا عن التجارب التي يجريها الاحتلال لأدوية خطيرة تحت الاختبار الطبي على الأسرى في سجونه، بالإضافة إلى سرقة أعضاء بشرية من أجساد فلسطينيين متوفين، لعلاج مرضى يهود، من بينهم جنود في جيش الاحتلال.
ويشير إلى اتباع الاحتلال سياسة الإهمال الطبي المتعمد بحق الأسرى في السجون، وحرمانهم من حقهم في الحصول على الرعاية الطبية الملائمة، مما أدى إلى زيادة عدد الأسرى المرضى وتفاقم أمراض عدد كبير منهم، حتى بعد تحريرهم، ووفاتهم في عديد من الأحيان؛ حيث زاد عدد الشهداء الأسرى في سجون الاحتلال منذ سنة 1967 عن 51 أسيراً.
كما يتطرق لمسألة منع المرضى من السفر للعلاج في الخارج، ومساومتهم على السماح لهم بتلقي العلاج في "إسرائيل" مقابل العمالة لها، والإدلاء بمعلومات عن أقاربهم أو جيرانهم من المطلوبين لسلطات الاحتلال، أو استغلالهم للقبض على المطلوبين.
ويستعرض اعتداءات الاحتلال على الطواقم الطبية، والتي تتنوع بين إطلاق النار المباشر والاعتداء الجسدي واللفظي وعرقلة الوصول إلى المصابين والمرضى، واستهداف سيارات الإسعاف والمنشآت الطبية خلال عملياته العسكرية.
ويوفّر الكتاب مادة إحصائية وتوثيقية غنية ومحدّثة عن انتهاكات الاحتلال بحق المرضى الفلسطينيين والقطاع الصحي الفلسطيني، ويتميّز باشتماله على شهادات وصور فوتوغرافية ورسوم بيانية أثرت الموضوع وقدمته بصورة مُقنعة ومؤثرة.