كتاب ملفات ثورة يوليو.. شهادات 122 من صناعها ومعاصريها بقلم يونان لبيب رزق..عمل غير مألوف ذلك الذى يقع بين دفتى هذا الكتاب، وهو العمل الذى عكف الأستاذ طارق حبيب على إنجازه، واستغرق منه خمس سنوات، على حد قوله، وأنا أصدقه! ومع أن العمل استعراض لتاريخ مصر منذ أربعينات هذا القرن.. خلال السنوات القليلة السابقة على قيام ثورة 1952، وحتى رحيل عبد الناصر وتولى السادات مقاليد الحكم عام 1970، إلا أنه لم يكن كتابا للتاريخ بالمعنى التقليدى. الفترة التى تناولها هذا الكتاب تتعامل أساسا مع ثورة يوليو، وهو ما دعا المؤلف إلى أن يختار لها عنوانا جذابا.. "ملفات ثورة يوليو.. شهادات 122 من صناعها ومعاصريها"..
ولأول وهلة يبدو وكأنه قد قصد من وراء هذا الاختيار شد القراء، وإن كان الاطلاع على العمل يؤكد أنه يحمل من اسمه نصيبا كبيرا، فقد استطاع صاحب العمل، من خلال حوارات غير تقليدية، أن يستخرج من سرائر من حاورهم كثيراً مما يمكن أن يرقى إلى مرتبة الأسرار.
صاحب هذا العمل لم يعد إلى الوثائق أو المراجع أو حتى المذكرات الشخصية، ولكنه اتجه رأسا إلى رسم صورة للأحداث التاريخية من خلال شهادات صانعيها أو الشهو على أحداثها، وبشكل شديد الابتكار، فقد نجح فى المزج بيم الشهادات على نحو غير مسبوق وهو المزج الذى افرز صورة تعجز كل شهادة على حدة عن تقديمها، وهو بذلك أدخل بعض تقنيات الأفلام السينمائية والتليفزيونية فى الكتابة التاريخية.. تقنية القطع للقطة ما لتدخل عليها لقطة أخرى تشكل معها صورة مختلفة، ولكنها أكثر إقناعا.
ساعد على الأخذ بهذا التوجه، هذا الكم الهائل من أصحاب الشهادات الذين وصلوا إلى 122 شخصية، والمشتغلون بالكتابة التاريخية يعلمون قدر الجهد الذى يبذل لاستخراج شهادة شخصية واحدة ناهيك عن أن يكون العدد بهذه الكثافة.
لم يقتصر اللجوء إلى هؤلاء على الكم بل امتد إلى النوع، فهو لم يترك واحدا من أعضاء مجلس قيادة الثورة الأحياء إلا وكان وراءه.. البغدادى، كمال الدين حسين، خالد محيي الدين، حسين الشافعى، ومن ترك دنيانا منهم كان بالمرصاد لأبنائهم.. هدى عبد الناصر، جمال السادات، فضلا عن الضباط الأحرار الذين تعقب الأحياء منهم على نحو غير مسبوق، فضلا عن الملكة السابقة ناريمان صادق وعدد من ساسة ما قبل الثورة وما بعدها زد على ذلك عددا من الشخصيات العامة والمؤرخين ساعد صاحب هذا العمل على أن يقدم صورا للشخصيات والأحداث التاريخية من زواياها المتعددة.. مثلا دور السادات فى اغتيال أمين عثمان، العلاقة بين الضباط الأحرار والإخوان المسلمين، وعما إذا كانوا جميعا قد ارتبطوا بصلة أو بأخرى بهذه الجماعة، وعالج أيضا علاقة بعض هؤلاء بالشيوعيين، خاصة الحركة الديموقراطية للتحرر الوطنى (حدتو)، وهى قضايا لا تزال موضوع تساؤلات.
باختصار فإن هذا العمل البانورامى الذى امتلأ بالنبض بحكم اعتماده على شهادات الشخصيات التاريخية يمثل نهجا جديدا من الكتابة التاريخية، فلا هو يلتزم بقواعد الكتابة التاريخية، فلا هو يلتزم بقواعد الكتابة العلمية الصارمة أحيانا، والمتجهمة فى اغلب الأحيان، ولا هو يعمد إلى التبسيط المخل الذى يحول التاريخ إلى رواية يكتنفها من الخيال أكثر مما يحوطها من الحقيقة، مما يفرد لها مكانة فريدة ومذاقا خاصا فى تسجيل هذه الحقية الهامة من التاريخ المصرى المعاصر