يظهر من هيئة هاته الرسالة وإنشاءها أن المعري ألفها في الدور الأخير من حياته زمن عزلته وانقطاعه (حوالي سنة 430 هـ) وقد زهد في الدنيا لكبره واقتراب أجله. فكأنه أراد الرجوع للمبادئ الدينية وسلك طريقة الوعظ

 والنسك وتمسك بالاعتقاد. وأين قوله زمن صغره لما كان في غزارة قواه وعنفوان شبابه: ضحكنا وكان الضحكُ منا سفاهةٌ وحق لسكانِ البسيطةِ أن يبكوا تـحـطـمـنا الأيـامُ حــتــى كأـنـنـا زجاجٌ ولكن لا يُعاد لنا سبك ومن اعترافه بالبعث والمعاد في هاته الرسالة كقوله وفي الآخرة يكون المجمع وقوله وعند الباري تكون الزلف وهلم جرا. أما أسلوب هذه الرسالة في مجمله فهو يشابه كثيراً لهجة الخطب البليغة ذات الفصول القصار التي كان يلقيها خطباء العرب كسحبان وائل الباهلي وقس بن ساعدة وعامر بن الطفيل وأمثالهم بأسواق الجاهلية. وإليك نموذجاً من كلام قس بن ساعدة خطيب بني إياد الذي قال فيه النبي ﷺ رأيته بسوق عكاظ عَلَى جمل أحكر يقول: أيها الناس اجتمعوا فاسمعوا وعوا. من عاش مات. ومن مات فات. وكل ما هو آتٍ آت. في هذه آيات محكمات. مطر ونبات. وآباءٌ وأمهات. وذاهب وآت. ونجوم تمور. وبحور لا تغور. وسقف مرفوع. ومهاد موضوع. وليل داج. وسماء ذات أبراج. مالي أرى الناس يموتون ولا يرجعون. أرضوا فأقاموا. أم حبسوا فناموا. يا معشر إياد. أين ثمود وعاد. وأين الآباء والأجداد. أين المعروف الذي يشكر. والظلم الذي لم ينكر: في الذاهبين الأولين ... من القرون لنا بصائر لما رأيت موارداً ... للموت ليس لها مصادر ورأيت قومي نحوها ... تمضي الأكابر والأصاغر لا يرجع الماضي ولا ... يبقى من الباقين غابر أيقنت أني لامحا ... لة حيث صار القوم صائر  وسوف يرى القارئُ ما بين الكلام المتقدم وحل المعري وعقده في ملقى السبيل من مطابقة المعنى ومشابهة اللهجة.