فيا أيها القراء الكرام، إني أعرض شهادتي ولقبي الكريم للبيع برأس المال (الرسوم والأقساط)، أما فوسفور دماغي، وأيام عمري، فلا أريد لشيء منه بديلاً، وأجري على الله. فمَن يشتري؟ شهادة بيضاء ناصعة كبيرة، خطها جميل، ذات إطار بديع. جديدة (طازة)! مَن يشتري؟!". وها هو ينعى عيده في مقالة "عيدي الذي فقدته" فيقول: "يا آنسين بالعيد، يا فرحين به! هل تسمعون حديث رجل أضاع عيده، وقد كانت لكم أعياد؟ أم يؤذيكم طيف الشجى إذ يمرّ بأحلام أفراحكم الضاحكة؟". وفي "زفرة مصدور": "ما أضْيَعَ أيامي في مدرسة الحياة إن كان هذا كلَّ ما تعلمت منها في ثلاثين سنة! اللهمّ إني قد نفضت يدي من الناس، وإني أسألك أمراً واحداً؛ ألاّ تقطعني عنك، وأن تدلّني عليك، حتى أجد -بمراقبتك- أنس الدنيا وسعادة الآخرة". وفي "زفرة أخرى": "... ولكني كرهت أن أتوكأ في سيري إلى غايتي على غير أدبي، ونزّهت نفسي عن أن أجعل عمادي ورقة صار يحملها الغبي والعيي والجاهل واللص الذي يسرق مباحث الناس ويسطو على آثارهم... لقد صرت كالعجوز الذي حَطَمه الدهر وفجعه في أولاده فسيّره في مواكب وداعهم الباكية. وما أولادي إلا أمانيَّ، وما قبور الأماني إلا القلوب اليائسة. فيا رحمة الله على تلك الأماني!".
كتاب من حديث النفس - علي الطنطاوي
نحو نصف مقالات هذا الكتاب كتبها صاحبها في عقد الثلاثينيات، وقد نُشرت أقدمها في عام 1931. ونحن نجده -في تلك المرحلة من حياته- في توثب لا يفتُرُ وهمّةٍ لا تنِي، وإن المشاعر لتضطرم في نفسه حتى ما يطيق حملها فيبثّها في ثنايا الصفحات وينشرها عبر سطور المقالات. ها هو ذا يعرض -في عام 1933- شهادته الجامعية للبيع: "...
نحن نعمل على تصفية المحتوى من أجل
توفير الكتب بشكل أكثر قانونية ودقة لذلك هذا الكتاب غير متوفر حاليا حفاظا على حقوق
المؤلف ودار النشر.