في كتابه هذا، يبدو المستشرق الروماني "كونستانس جورجيو" متلهفا إلى معرفة نبي الرحمة "محمد" (صلى الله عليه وسلم) فهو يؤرخ، ويناقش، ويحلل، ويقدم "نظرة جديدة في سيرة رسول الله"، العنوان الذي اختاره لتعريف العالم أجمع بهذا الرسول العظيم، وبعبقريته الفذة، التي
أخرجت العرب من دباجير الظلمة، وتمزق الصفوف، ومهاوي الكفر والرذيلة إلى نور الإيمان. ومع أن الكتاب ليس جديدا بموضوعه، إلا أن طريقة تناول "كونستانس" الأجنبي غير المسلم لهذه السيرة، هو الجديد الذي ما يلبث القارىء أن يكتشفه عند البدء بقراءة الكتاب، فالمؤلف إستخدم أسلوب القص الروائي الشيق، والمؤثر، بنفس الوقت، في القلب والعقل وخصوصا عندما يتحدث عن نشأة الرسول في مرحلة الطفولة ويتمه ورعاية عمه أبي طالب له، مرورا بذهابه إلى مكة، وزواجه بخديجة، وبدء الرسالة، وأول من آمن به، وهجرته إلى المدينة، وعن وضعه أول دستور في الإسلام، وحروبه، وانتصاراته، وفتح مكة، وصولا إلى مرضه (ص) ووفاته. وعن (تنظيم محمد (ص) الحربي في معركة بدر) يكتب مؤلف الكتاب: يعجب المرء، إذ كيف يتمكن جيش محمد (ص) من مجابهة جيش مكة الذي يفوق عدده جيش المسلمين. ولا يمكننا أن نتصور جنود مكة جبناء حتى ينتصر المسلمون عليهم ويهزموهم. فهم أيضا بداة، والشجاعة تسري في عروقهم (...) كما أن محمداً (ص) في هذه المعركة لم يكن أكثر عتادا من جيش قريش (...) لكن الذي لا شك فيه أن محمدا (ص) كان يعتمد على الله في حربه (...) وكان كل مسلم في معركة بدر يؤمن بمثل إيمان محمد (ص)، وبأن الله لن يتركهم وحيدين في معركتهم. ومن استشهد منهم لقي الجنة من غير حساب ..." . وهكذا يصف كونستانس عقيدة المسلمين وإيمانهم بالله وبرسوله، وهذا ما يميز المسلمين عن غيرهم من أصحاب الديانات الذين حاربوا أنبياءهم، أما رسول الله فوجد من يفديه بدمه وبسيفه... ومن هنا نفهم خلود الرسالة المحمدية حتى يرث الله الأرض ومن عليها.