ثمة اهتمام واضح وإيجابي بإبداع المرأة مع بداية التسعينيات، إذ تبدى هذا الاهتمام من خلال بعض الكتابات النسائية، وبعض المجلات الخاصة بشئون المرأة وإبداعها مثل: "الكاتبة" و "هاجر" و "شئون المرأة"، عدا عن بعض الملفات في بعض المجلات
- وخاصة في مجال الشهادات النسائية، كما ظهر في "الآداب " ۱۹۹۲ و "مواقف"، و قوافل " ١٩٩٤ ومن المهم التأكيد على أن هذا الاهتمام المتأخر بإبداع المرأة لم يأت نتيجة عقدة ذنب في الثقافة العربية المعاصرة، ولا نتيجة لرفض أو تكريس التحيز النوعي.. ولم يكن أيضا شكلية عصرية على غرار "الموضة " ... بل هو - في تقديري - حالة ثقافية واعية أدركت بأن هناك خصوصية يجب إظهارها في أدب المرأة، لتكون دالة على تميز هذا الأدب في بعض مجالاته الاجتماعية والنفسية والفنية عن أدب الذكور، لكنه في سياقاته الإبداعية العامة يبقى أدبا لا يتميز عن أدب الذكور في شيء يوحي بوجود أدبين غير متجانسين وبذلك يعد كتاب المرأة الأول ( هاجر ) كتابا حافلا بمحتوياته التي انتظمت في ستة أبوا ،، هي: ۱: دراسات في القيم / هموم نسائية / إبداع / مقابلة / المرأة والأحوال الشخصية . وقد حرتره سلوى بكر وهدی الصدة ومستشاروا التحرير هما : نصر أبو زيد وملك هاشم. ضم الكتاب اثنتين وثلاثين مادة، جاءت افتتاحيتها ( هل من ضرورة ) أكثر المواد إثارة، لأنها المدخل الذي يفصح عن سياسة الكتاب وضرورته. حيث حدد اختيار الاسم الذي يعيدنا إلى "هاجر" أم العرب جميعا، وما تحيل إليه قصتها التي تعد " أعظم قصة حفظتها لنا الذاكرة الإنسانية عن معاناة المرأة ونضالها في سبيل البقاء، المرأة التي هجرت فهاجرت، وسعت في الأرض سعيا مكبدا في سبيل حياتها وحياة وليدها الطريد " ص6 ) . وحددت سياسة صدور العدد مستقبلا، حيث لم يتحدد في صورة دورية منتظمة الشكل. فقد جاء في الافتتاحية بخصوص هذا الشأن: هاجر ليس كتابا دوريا أو غير دوري أو مجلة تصدر بتواتر منتظم، بل هو كتاب دراسات وإبداع يصدر كلما تجمعت والتأمت مادته. " (ص۷). أما منهجية الكتاب من حيث مشروعه الثقافي فهي - كما يعلن عن نفسه - منهجية مفتوحة تبتعد عن أية أطر أيديولوجية، مؤكدة على أنه "بإيجاز محاولة لتطارح الأفكار ووجهات النظر حول واحدة من أعمق مسائلنا الاجتماعية". ( ص 6 ) ويتحدد الهدف أكثر عند ما يجيء الإعلان ناصا على أن مادة الكتاب لا تستهدف الرجال، بل إن معركة ( هاجر ) " تحتاج الرجال مثلما تحتاج النساء، تحتاج أفكار كلا الطرفين. " ( ص ۷ ). تنوعت الدراسات، فتناولت رابعة العدوية، وصورة المرأة في الأمثال الشعبية، وقضية الحقوق بين المرأة والإنسان، والمرأة والجنس، والمرأة والخطاب الديني وقراءات في " إبداع " تحية حليم، وعطيات الأبنودي ورضوى عاشور ، وخناثة بنونة. وسليمان فياض، ولطيفة الزيات، وقاسم أمين وكانت هذه الدراسات جادة وساعية إلى معالجة إشكاليات خاصة بالمرأة. واقتصر ملف ( في القيم ) على مفهوم الشرف " من خلال ثلاث شهادات اللطيفة الزيات، وجلال أمين، ونوال السعداوي، وفيها نجد توحدا في مفهوم الشرف، إذ يعني " التزام تجاه الذات وتجاه الآخرين " عند لطيفة الزيات و" الصدق" عند أمين والسعداوي أما ملف ( هموم نسائية ) فقد احتوى شهادات الأمينة رشيد، وفرجينيا وولف، وأليس ووكر، وسهام بيومي، وعندما نستعرض التواشج بين هموم الغرب ( وولف / ووكر ) والشرق ( رشيد، وبيومي ) نجد الهموم تدور حول الكتابة والمشاركة في الحياة العامة، دون أن يكون هناك صراع حاد مع الرجل كنوع، بل العلاقة مع الرجل هي علاقة وحدة كما تقول " وولف " : ( وحدة الرجل والمرأة تحقق أعظم الرضا وأكمل السعادة ) ( ص ۱۷۹ ) . وفي الكتاب إحدى عشرة مادة إبداعية، منها ثماني قصص قصيرة وثلاث قصائد، ولعل اقتصار العدد على ثلاث قصائد يشير - على الأقل من الناحية الشكلية - إلى أننا نعيش في عصر الرواية والقصة كما أشار كثير من النقاد والأدباء. فقد شارك في مجال القصة القصيرة ميسون ملك، ونهى رضوان، ونعمات البحيري، وبهيجة حسن، وهناء حجازي، وكارين كنج، وكارسون ماکلرز، وميليناموزر. وفي مجال الشعر كتبت أمل فرح قصيدة باللغة العربية الدارجة وهناك قصيدتان لمي مظفر وبياه ريتشاردز. والمفارقة التي تستحق الإشارة عند المقارنة بين الدراسات والإبداع، فإننا نجد الدراسات مسكونة بثنائية التضاد بين المرأة / الرجل، في حين لم يكن الإبداع النسائي مسكونا بهذه الظاهرة. لأن أغلب الإبداع جاء مشحونا بفضاءات الحرب والحب والاغتراب، وهي فضاءات تتشابه فيها كتابات الذكور وكتابات الإناث عادة. فهل هذه المفارقة / المأزق هي إشكالية تفضي إلى افتعال صراعات بيولوجية ثقافية بين الجنسين على المستويات النظرية ذات الأبعاد الفكرية والفلسفية / التراثية الاجتماعية والنفسية / الواقعية إننا حقيقة بحاجة إلى أن نستبطن نظرية التضاد بين الرجل / المرأة من خلال الإبداع المعاصر، لا من خلال التصور أو استحضار التاريخ البشري. وهكذا يستحق كتاب "هاجر" الأول أن يعد واحدا من أهم المصادر الأدبية التي تحتضن الأصوات النسائية إضافة إلى الإتكاء على بعض أصوات الرجال مثل حسن حنفي ونصر أبو زيد. كما أنه خطوة أولى متخصصه، نتمنى أن تكون على شكل دوري، مهتمة بالإشكالية لا الرتابة أو إظهار بعض الأصوات النسائية لمجرد أنها أصوات نسائية.