كتاب يومية هروب

تأليف : خيري عبد الجواد

النوعية : الفكر والثقافة العامة

كتاب يومية هروب بقلم خيري عبد الجواد شعر بحاجته الشديدة إلى سيجارة، شم رائحتها فملأت خياشيمه. تلفت فلمح أحدهم يدخن بحذر، كان يضع السيجارة في راحة يده فلا يظهر منها سوى الفلتر الذي يضعه في فمه فتتوهج السيجارة في راحة اليد دون أن يلمحها أحد، آخر كان يجلس بجانبه يبدد الدخان بكرتونة في يده، لو لمحه أحد حراس البوابة فسوف يكون

 عقابه صارماً. كانوا معه في زنزانة واحدة في القسم لذا فهم يعرفون أنه يدخن كثيراً، وكان يعط شعر بحاجته الشديدة إلى سيجارة، شم رائحتها فملأت خياشيمه. تلفت فلمح أحدهم يدخن بحذر، كان يضع السيجارة في راحة يده فلا يظهر منها سوى الفلتر الذي يضعه في فمه فتتوهج السيجارة في راحة اليد دون أن يلمحها أحد، آخر كان يجلس بجانبه يبدد الدخان بكرتونة في يده، لو لمحه أحد حراس البوابة فسوف يكون عقابه صارماً. كانوا معه في زنزانة واحدة في القسم لذا فهم يعرفون أنه يدخن كثيراً، وكان يعطيهم مما معه، اقترب منه الذي يدخن وأعطاه السيجارة فأخذنا متلهفاً وامتص نفساً عميقاً ابتلعه ثم بدأ يخرجه ببطء، وأحس بدوار وخدر لذيذ، له يوم كامل لم يدخن، ترك له السيجارة وانضم إلى زملائه وأخذوا يبحثون فيما بينهم ثم رجع إليه وقال له: أنا شاورت الزملاء وقررنا أن تدخن أنت فقط، وأخرج من ثنية رجل البنطلون ثلاث سجائر، كذلك فعل الآخرون فكان المجموع ثلاث عشرة سيجارة من ماركات مختلفة تكومت أمامه، قالوا أن السجائر تؤثر فيه بشكل كبير وهم يرونه متعباً من عدم وجودها بينما يستطيعون التحمل. لم يستطع الكلام، فهذا الموقف النبيل لا يجد له مبرراً خاصة أنه لا ينتمي إليهم ولا يجمعه بهم سوى الحبسة، لكنهم أسروه بهذا الموقف. قرر أن يخبئ السجائر تحت البطانية فهي مكان آمن، وإنه يستطيع تدخين سيجارة كل ساعة حتى موعد الزيارة في الغد. كان متبعاً فتمدد فوق البطانية وفرد بدنه، حين يكون الجسد متعباً فإن الذهن يصبح صافياً. هو لا يستطيع تبرير ما حدث، كأنه مقدر ومكتوب أن يهرب ثلاث عشرة سنة كاملة، حدث ذلك في منتصف السبعينات، تحديداً عام سبعة وسبعين وتسعمائة وألف، وبعد ثلاثة شهور من موت أمه، موتها كان زلزلة، وكان كارثة بكل المعاني، كان موته هو أيضاً الذي اعتاد القول: لو جرى لها شيئاً فسوف يموت وراءها، الآن يدرك أن لا أحد يموت وراء أحد، وأن الزمن يضعف من الكوارث الكبرى، الغريب أن مرور الزمن يشعره بحنين جارف إليها ويعمق إحساسه بالفقد، ودائماً ما يجلس يتمثلها في حياتها اليومية: إيماءاتها، التفاتاتها، تبسهما وغضبها، قامتها إذ تنتصب واقفة، نبرة صوتها، لحظات خفوته إذ تهمس، لحظة رنت إليه وهو يحلق ذقنه للمرة الأولى، تلهفها على احتضانه والزهو حين تراه أطول منها، وإذ ترى منابت شعر شاربه مخضرة، وإذ تراه يشاغل ابنة الجيران فتسعد.

شارك الكتاب مع اصدقائك

2084

(0)