"الحطيئة" شاعر حار الناس في اسمه نسباً ومولداً وسيرة وديناً ووفاة، بيد أنه يعد من فحول عصره. اسمه جرول وولد لأمة اسمها الضراء، كانت عند أوس بن مالك. نشأ الخطيئة مع ولدي أوس حتى توفي هذا الأخير دونما علم أن الحطيئة ابن له، وذلك لأن أم الحطيئة أخفت ذلك.
قيل إن الحطيئة قد نسب للأفقم العبسي، وقد ذكرت ذلك أن الحطيئة خوفاً من أوس والده.. ولما مات الأفقم أصبح له ميراثان من أبوين مزعومين، لا يعرف أيهما الأصح نسباً للحطيئة، وهكذا اجتمع له غرثان، فقام يطالب بحقه في عبس وفي ذهل، وجاء إلى أخويه من أوس يطلب حقه من ذهل فأنكرا عليه ما طلب، وقالا: أقم معنا ما شئت نواسك عن عضدك، فأبى ذلك وراح يهجوهما.
والتفت إلى أخويه من الأفقم يسألهما ورثه أعطوه نزراً لم يرضه فراح يجهوهما أيضاً. بعدها رأى أن يثبت نسبته إلى أوس بن مالك، ويرضى بانتمائه إلى عبس، ولما كانت والدته تخلط عليه نسبه فإنها نالت من لسانه ما نالت.
قيل إنه توج صفاته الذميمة. أي الحطيئة. بأنه كان فاسد الدين، سطحي العقيدة، وكان من قبل قد اسلم ثم ارتد ولم تعلم له وفادة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحبة له، ولعل مما جعله يتهم برقة دينه دفاعه عن الوليد بن عقبة الذين اتهم بشرب الخمرة والعبث في الصلاة.
بيد أن رقة الدين هذه لم ترافقه في حياته كلها، حتى أيام عمر بن الخطاب، إذ نراه ينصر المؤمنين ويحضهم على القتال يوم القادسية ويقول في ذلك شعراً جميلاً. كان من أسباب ذم الحطيئة ووصفه بقبيح الصفات خشية الناس من لسانه، إذ إن الجاهلية وصدر الإسلام لم يعهدا شاعراً أثر عنه مت أثر عن الحطيئة من إخافته للناس، فقد كانت كلمته تسير على كل لسان، وتنفذ في كل مجتمع.. وخير دليل على ذلك هجاؤه للزبرقان.
عمر الحطيئة زمناً طويلاً في الجاهلية، كما عمر زمناً في الإسلام وإذا علمنا أنه روي عنه أنه أدرك فرسان الجاهلية مثل زهير وزيد الخيل، فإنه بذلك نستشف أنه عاش قرابة أربعين سنة أو أكثر قليلاً في تلك الحقبة، وقد توفي في سنة ستين للهجرة أو تسع وخمسين في رواية أخرى، فإنه بذلك شارف على المائة من العمر، فتوزعت على شطري حياته في الجاهلية والإسلام. وإذا كان من العسير تحديد سنة ولادته، فإنه يتعذر فعلاً تحديد سنة وفاته بدقة لاختلاف الروايات على الرغم مما أثبتناه قبل قليل في شأن تحديد السنة، وخير دليل على ذلك إغفال كثير من الرواة والباحثين لذلك.