كتاب المستوى الثالث: مصادر التلقي ومسالك الفهم بقلم صناعة المحاور..الحمد لله رب العالمين وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد فقد أسسنا في المستويين الأول والثاني القاعدة الأولى في بناء الإسلام، وهي البرهنة على صحةّ أصوله وأقمنا أركان البناء، وها نحن في المستوى الثالث ندخل إلى البناء الإسلامي الذي أُحكِمت قواعده لننظر إلى المعرفة الدينية والشرعية على ماذا تبنى وكيف نتعامل معها من خلال بناء الإسلام نفسه. وقد اخترنا عنوان (مصادر التلقي ومسالك الفهم) لهذا المستوى؛ لأنه يتناول نظرية المعرفة، ومصادر التلقي الشرعية، وسبل الفهم الصحيحة للنص الشرعي.
وفي زحمة البحث في تفاصيل المشهد العقدي يستغرق بعضنا جهده كله في ملاحقة النتائج النهائية لمقولات مختلف الطوائف والاتجاهات، فهذه الفرقة تقول بكذا، والأخرى تخالفها فتقول بكذا وهكذا، من غير تفطن للمحركات الفاعلة التي ولدت تلك المقولات والآراء. وما من شك أن ّ لإدراك تلك المحركات فائدة كبيرة جداً في البحث العقدي، إذ هي المشكل الحقيقي لمختلف الهويات الفكرية والعقدية، وعنها تنبثق مختلف الاتجاهات العقدية، والتعرف عليها يعمق كثيراً من فهمنا لمختلف تلك الاتجاهات والمدارس، ويكشف عن أصول الغلط التي ولدت تلك المقولات إن كانت منحرفة، أو أصول الحق التي تنشئ مقولات حق.
ومن غير هذا الإدراك لمنطلقات الأفكار ومولداتها فستظل معالجتنا لمختلف المشكلات العقدية قاصرةً ناقصةً، بل قد يذهب جهد العلاج سُداً بسبب العمل في المنطقة الغلط، كأن يكون باعث تبني هذا الرأي مشكلة في الدلالة العقلية فينصب جهد المعالجة في منطقة الدلالة النقلية، أو يظن الظان أن المحرك الفاعل لتبني هذه الرؤية راجع إلى مأخذ معرفي في حين أن الفاعل الحقيقي هو نمط من الأهواء الخارجة عن المعطيات المعرفية.
ومن هنا وضع هذا المستوى في البرنامج للكشف عن أصول نظرية المعرفة، بشقيها:
- نظرية المعرفة العامة، والتي تمثل سبل تحصيل المعرفة في إطاره الواسع والذي يشمل جميع ما يمكن أن يحصله الإنسان من معرفة وعلم.
- نظرية المعرفة الدينية، وهي منهجية التعرف على مراد الله تعالى، عبر تحديد مصادر المعرفة المعتبرة في هذا الباب، وبيان المنهج الشرعي الصحيح في التفاعل مع هذا المصادر.
وسيتم في أثناء ذلك الإبانة عن المنهج الإسلامي الصحيح في كلا البابين، مع الإشارة إلى بعض الاتجاهات التي وقعت في أخطاء وأغلاط، أفرزت كثيراً من المشكلات في مختلف المناحي الفكرية والعقدية والثقافية.
فبواعث دراسة هذا المقرر يرجع في الحقيقة إلى أمرين أساسين:
- أن المشكلات الواقعة في هذا الباب هو ما أفرز كثيراً من المشكلات العقدية والفكرية المتنوعة، فدراسة هذا المستوى بهذا الاعتبار هو من باب التعرف على الوسائل والأسباب الموقعة في الغلط لمن انحرف نظره في نظرية المعرفة، كما أنه يؤصل لطرائق المعرفة الشرعية والتي توصل بفضل الله وهدايته إلى إصابة الحق في العقائد والأحكام.
- أن المشكلات الواقعة في هذا الباب هو في حقيقته جزء من اختلال المنظومة العقدية، إذ تمثل كثير من قضايا هذا الباب، كتحديد المرجعية الدينية الصحيحة والمنهج الشرعي الصحيح في الاستدلال من هذه المرجعية جزءاً من الثوابت الشرعية، فالتعرف على هذه المنظومة مقصود لذاته، إذ تصحيح النظر في الموقف من القرآن مثلاً أو السنة أو غير ذلك من محكمات هذا الباب هو تصحيح للمنظومة العقدية السنية والتي يتشوف الشارع إلى تثبيتها وتقريرها في نفس المسلم.
نسأل الله لكم التوفيق والسداد، وأن يوفقكم للعلم النافع والعمل الصالح، والله تعالى أجل وأعلم.
أهداف المستوى الثالث:
1 - التأصيل لقضية المعرفة في الإسلام.
2 - فهم المناهج العامة في باب المعرفة وبيان تميز المنهج الإسلامي.
3 - تثبيت مصادر التلقي الشرعية.
4 - تثبيت حجية السنة وإقامة البراهين عليها من القرآن الكريم.
5 - بيان أهمية التسليم وتأصيل معقوليته ومكانته.
6 - تأصيل القواعد الأساسية لفهم النص الشرعي.
إدارة مركز صناعة المحاور
الدفعة السادسة