رواية الرواية

تأليف : نوال السعداوي

النوعية : روايات

 "يتنهد رسم وهو يقرأ، آه صحيح، يبدو كلام كارمن معقولاً بعد موتها، ربطوها في المستشفى بأعمدة السرير، سلّطوا على رأسها تيار الكهرباء، كان هدفهم هو رأسها وليس الجسد أو الرحم أو الروح، فقد رأسها وما هو داخل الرأس،

  عقلها كان هو المطلوب ليسحقه التيار الكهربائي، جريمتها كانت في عمق الرأس حيث مركز العقل، وانتصرت عليهم كارمن في اللحظة الأخيرة قبل الموت، انطلق المارد من أعماقها، بقوة مجنونة، كافية لتدمير العالم، كانت حركتها هي الأخيرة قبل انعدام الحركة، قمة اليأس حين تصبح الحركة الأخيرة هي ذروة الأمل، وتصبح الكلمة المكبلة بالقيود منطوقة. أنهى رستم الفصل الأخير من الرواية، أصبح جالساً في السرير خلف ظهره الوسادة، لا يريد أن ينام ولا يريد أن يصحو، يتمنى الظلام الكامل ليفقد الوعي، ضغط على الزر ليطفي النور لكن الظلام لم يتحقق، هناك ضوء يتسرب من شقوق الشيش، يضيء الحرف وراء الحرف وينطفئ، ويعود يضيء من جديد، من دون توقف. يقول لنفسه لن يبقى بعد موته شيء إلا هذا الإعلان، وهناك شيء أفظع من الموت، وهو الأرق، عدم القدرة على النوم، لا يستطيع أن ينام إلا في الظلمة الكاملة، كان ينام كل ليلة من دون جهد، ربما ليس هو رستم الذي كان، ربما لم يكن هو رستم أبداً، كان شبيهاً برجل اسمه رستم، زوج كارمن في الرواية، عضو المجلس الأعلى صاحب أعلى الجوائز، ليس هو هذا الرستم المتكور حول جسده في السرير، تفوح منه رائحة ماء الكولونيا لافندر، ورائحة أخرى تشبه العرق يلتقطها أنفه لأول مرة". الروح والجسد، الخير والشر، المرأة والرجل، معاني حياتية فلسفية تتقاطع عند منعطفات خطرة في شخصيات "الرواية" تأخذ تلك المعاني أبعادها المختلفة في وعي ولا وعي تلك الشخصيات (رستم، سميح، جمالات، كارمن، والفتاة) والفتاة، محور تلك الرواية، فتاة في الثالثة والعشرين من عمرها، مجهولة الأب، وليس لها أسرة ولا شهادة ولا بطاقة مختومة، كتبت روايتها الأولى رغم أنها ليست بكاتبة، هربت تلك الفتاة إلى مكان بعيد لتكتب روايتها، لم تأخذ معها إلا حقيبة بها ملابسها وأوراقها، والجنين تحمله في أحشائها، سافرت إلى الشاطئ البعيد لتتقرب من البحر المفتوح، تنشد الفرار من ظلام الجدران، وقرار القبض والإعدام، أرادت أن تهب الحياة لطفلتها، وفي الليل حين تسكن الريح وتنام مياه البحر، ترقد الطفلة غير المولودة في أعماقها، غير معروفة النسب، مثل روايتها الأولى لا تعرف اسمها. كان الناس حول تلك الفتاة يعيشون في رعب، أكثر ما يرعبهم المجهول والأشياء غير المعروفة. وهكذا تمضي نوال السعداوي في سردياتها التي تميل كثيراً إلى الوصفيات، الهادفة إلى استثارة خيال القارئ للاندماج في الرواية إلى النهاية. دافعة ومن خلال تلك الوصفيات بأفكارها التي تثير عدة تساؤلات حول موضوع الأنثى وعلاقتها بنفسها وبمجتمعها، ودور المجتمع بعاداته وتقاليده في تسيير دفة حياتها. تستمر نوال السعداوي، كما في سابق رواياتها، في انتقاد المجتمع العربي وبالتحديد المصري، الذي يعطي الأهمية والأولية للذكر الذي يهيمن بأفكاره على الأنثى والمجتمع بصورة عامة. مثيرة في "الرواية" مشاكل عديدة، وإن كنت كقارئ معها في استدارجاتها النقدية الاجتماعية، أو سواء أكنت ضدها، فلن تملك نفسك من المضي في قراءة تلك الرواية للوقوف على ما استجد لدى الكاتبة الناقدة من أفكار. الناشر: أحدثت الرواية غضباً عارماً. الفتاة في الثالثة والعشرين من عمرها، مجهولة الأب، ليس لها أسرة ولا شهادة ولا بطاقة مختومة، كانت هي روايتها الأولى، تكتبها بقلمها دون أن تكون كاتبة، دون أن تقرأ أساطير الأنبياء ولا الشعراء ولا الأدباء، لم يندرج اسمها ضمن الكاتبات. قوامها ممشوق من طول المشي سعياً وراء الرزق، يرتكز على عمود فقري صلب، تقاطيع وجهها بارزة حادة من شدة النحافة منحوتة في عظام قوية كالصخرة...  

شارك الكتاب مع اصدقائك