رواية الصلاة الأخيرة بقلم حميد فرين .. "فمنذ زمن وحوّاس لا يقرأ غير المقالات والقصص والمذكرات اليومية، مما يمكن أن يساعده على التدرب في العيش والحياة التي تضج بأحداثها، بعيداً عن جمل مارسيل بروست، الطويلة التي تضجره، وجورج صاند التي تجعله يهجوها وينام، حتى إذا انتهى إلى سوداوية دوستويفسكي التي تهرب منها، رغم أنه لا ينكر طاقاته الخلاقة. فقد كان يكفيه في كتاب يمتد على مدى ألف صفحة، أن يقع على عبارة واحدة وحيدة، تساعده في "امتلاك ذاته"، لأن البحث في الكتب، هو البحث عن الذات، الشبيه ببحث المتصوف الزاهد عن حقيقته في التأمل، في وحشة الصحراء، ولكن بفارق يبعد بين المتصوف وحوّاس، لأن الخير لم يعد يبحث عن الله، بعد أن وجده، وراح يبحث عن أسلحة ودروع، تحصنه وتزيد مناعته!! فالذي يؤمن بالله، يجده عنده: معنى للحياة، وردعاً يقيه غدرات الزمن، وملجأ يمنع عنه قلق الروح واضطرابها!! ويبقى لحوّاس أن يشك بكل شيء، لكنه يؤمن بالله وبنبيه!! فعندما يمرّ حوّاس بأزمات شديدة، فهو يبحث عن ملجأ في الدين، وفيما أدخره من تعاليم الحياة؛ مذ هدّد بالقتل في صحيفة. فلما بلغه التهديد، تذكر ابتسامة العربي بن مهيدي، وكان بين سجانيه مكبل اليدين، آه لتلك الابتسامة!! كم لاحقت تلك الابتسامة حوّساً ولازمته: كيف لإنسان أن يبتسم؟ ويحافظ على رباطة جأشه، وهو على حافة الموت، في حين ينهار هو، إذ تلقى تهديداً؟ وسرعان ما أدرك حوّاس أن هدوء البطل وقوته، لا يعودان لبسالته وشجاعته، بقدر ما يعودان إلى قناعاته الراسخة: لأنه يناضل في سبيل قضية مقدسة. قضية الاستقلال؛ التي كان فيها العدو مكشوفاً ومرئياً!! أما حوّاس فيرى في بلده عددين اثنين: أحدهما في السلطة، والآخر يقاتل لانتزاعها!!".
الأصولية، الديموقراطية، التكفير، الدينن العلمانية... مصطلحات رمت بظلها على الساحة الجزائرية، وجعلت منها مسرحاً لصراعات تحتدم لتجعل من الجزائريين أحزاباً وفرقاً وجماعات مشتتة متناحرة. يحاول الروائي تصوير ذاك الواقع الأليم الذي عاشه ويعيشه الجزائريون بعد نيل الاستقلال، وذلك من خلال بطله المحوري حوّاس الذي وبصورة من الصور تحتدم داخله أيضاً صراعات تعكس الحال الذي يتخبط به الجزائري الذي جعله ذاك الواقع يشك بكل القيم والمبادئ التي تمسك بها في يوم من الأيام. إلا أن الكاتب يضع القارئ على برّ الأمان قبل أن يصلي حوّاس صلاته الأخيرة قبل الفجر.