رواية الكوارث لم تأت بعد بقلم عبدالرحمن شاكر..احتشد الكثيرون بنهاية الشانزلزيه، ميدان الثورة تحديدًا، فتح أحد المجندين الفرنسيين بخطوته العسكرية ممرًا بين المتجمهرين، ومن وراءه عربة حديدية تجرها اثنتين من الخيل المعنفة والتي لا زالت تُظهر وهنها بوقعٍ أعلى لصوت سنابكها على الأرض أثر الطريق الطويل الذي بدأ من سجن «الكونسيير جوري»، وقفت العربة أمام الچيلوتين ودوّت قرقعة الأقفال فتعالت الصيحات، نزلت من العربة فتاة مُكبلة واتجهت بخطواتٍ واثقة إلى سُلّم المقصلة، فصعدت واستدارت وهي تهبط على ركبتيها، فرأيت الساحة تخلع قلنسواتهم تحيةً لها، فزاغت عينيّ وقتما رأيت وجهها وبهتت الرؤية أمامي، وتشتت تركيزي من الجلبة العشوائية،
والفتاة تقف صامدة ومُبتسمة، حاولت استغلال نفوذي لمنع تنفيذ الحكم ولكن لم أفلح، فأدركت أنّي لستُ آمرًا ولا ناهيًا، ساقايّ تهتزان، وساعدايّ يرتعشان، يزداد الألم توغُّلًا في رأسي بضراوةٍ حتى كاد يفتك بي، بدأت الأرض تدور من تحتي، التقطتُ نفسًا بصعوبةٍ بالغة فازداد اصطكاك أسناني، الصياح يعلو والطنين يزداد بأذنيّ، والدموع تتلألأ في عينيّ، بدأت أركض تجاه الچيلوتين متلطمًا في الحشد الكبير، فوضع «شارلو» رأسها بين حديّ المقصلة من الأمام، فوقف الجميع مشدوهين يأمرون ضربات قلبي أن تزداد بينما أهرول نحوها، فرسمت الفتاة على وجنتيها ابتسامة واسعة قبل أن يهبط «شارلو» بقوة على ذراع الچيلوتين، فهبطت رأسها على أخشاب الچيلوتين، وهبط جسدي معها مغشيًا عليه.