وكنت أتجه نحو ساحة "كمال جنبلاط" مصمماً أن أعبر الجسر المعلق بعد ذلك لأصل إلى البيت في وقت وجيز... كانت الساحة على بعد مائة متر، تبدو ساطعة الأنوار. كنت مسترخياً مستسلماً لتعبي، حين وصلت إلى مشارف الساحة، خطر لي، هنيهة، أن كافة التجارب التي يمكن أن يعيشها الإنسان خلال حياته، يجب أن تكون، ولو بجزء بسيط، مفهومة أو قابلة للفهم على الأقل، من قبل البشر الآخرين. واستناداً لهذا المفهوم كانت السيارة السوداء الطويلة التي برزت فجأة من بطن الظلام على الجهة اليمنى، مطفأة الأنوار؛ وكانت تتقدم بسرعة وتهور لافتين للنظر، نحو وسط الساحة بمواجهتي. ولما كنت بكامل انتباهي، ولأن السيارة السوداء صدمت الرصيف وتوقفت وسط الساحة على بعد أمتار قليلة أمامي، فقد أدركت عن يقين أنني بصدد معاناة حادث مرور" خاتم الرمل رواية هي حكاية العراق وما يدور فيه من توتر حاد بين الفرد والمجتمع، لفرد والسلطة. فالرواية تعي، ويعي راويها منها، أن لكل الأقوال المنطوقة قرائن معتمدة لا بد أن يأخذها السامع بعين الاعتبار، فلكل قول منطوق قرينة الذي يستعصي على الإفصاح، ولكن فعاليته في الحدث لا تقل عن فعاليته المفصح عنه، إذ لم تزد عليها. وهذا الوعي بين المنطوق والمضمر هو الذي يكسب هذه الرواية أهميتها منذ البداية الإشكالية المدهشة التي يمكن دعوتها بالبداية التخيلية التي يصير فيها عالم يحدث حدثاً؛ وهي بداية تبني علاقتها الاستهلاكية ببقية النص من خلال المفارقة والتوازي، أو بالأحرى التناقض مع ما حدث الذي يراد له يصبح وكأنه لم يحدث، والإرهاص يتحول ما لم يحدث إلى حدث.
رواية خاتم الرمل تأليف فؤاد التكرلي
كانت قطرات المطر تبين تحت أضواء السيارة البيضاء، خيوطاً ناعمة تتواصل بين الأرض والسماء، وكنت على حذر، متراخياً في جلستي أسوق بانتباه واتزان. كان شارع الكرامة/ خارج خالياً هذه الساعة من الليل،