جان الشقية، أية، من حيث الشكل. إنما، روحيا، لا شيء... لا شيء مطلقاً ونهائيا. لأنه، كما يحصل، مراراً، للشباب الذين لا يشغلهم درس، ولا طموح، فإن كسل الفكر عندهم (ضعف فطري بالنسبة لجان) يقابله فوران عاطفي يترجم بالأحلام المتحمسة عند التلميذ الداخلي، من حيث "الآمال المتعذر تحقيقها" و"الارتعاشات الفوق بشرية"، والانتظار الشارد للحبيب. "منذ ليلتها الأولى في (غيضة الحور)، حلمت جان بمثل هذه الأمسيات، تحت الضوء
الرمادي المتهادي من النجوم، سوف يتنزهان. يذهبان اليد باليد، يغمران بعضهما، يسمعان نبض قلبيهما، شاعرين بحرارة كتفيهما، الخ..." بماذا تحلم الصبايا؟ ما طرحنا، بعد، سؤالاً، بلا معنى، مثل هذا السؤال. بماذا تريدون أن يحلمن في القرن التاسع عشر، إلا بشارب زوج المستقبل؟ "الحب! يملؤها، كان، منذ سنتين من الضيق المتنامي بسبب اقترابه. حرة، هي، الآن في أن تحب. لم يبق إلا أن تلتقي به، هو كيف يكون؟ لا تعرف بالتمام ولم تكن، حتى لتتساءل. سيكون هو، هذا كل شيء! بشكل آخر، لم تكن جان تنتظر إلا المناسبة للارتماء على رأس الآتي الأول المتمثلة بشكل جار قدمه لها الكاهن بيكو، الفيكونت جوليان دي لامار، مدعي الجمال في المقاطعة، وطامع في مال زوجة، صاحب الكلمة المتملقة والشارب اللا يقهر، على طراز رودولف "الصديق الطيب"، أو بالأحرى، على طراز موياسان نفسه، لأنه، هو ذاته، سكب على جوليان ملامحه ومظهره الجسدي: ولا واحد كان رجلاً على امرأة وعدواً للنساء كما موياسان. لكن رواية "سيرة حياة"، تبدو، من بعض الجوانب، نوعاً من النقد الذاتي، من حيث الإبراز المباشر أو نصف الواعي لعذاب الضمير الممكن أن يعانيه لعنف طبعه، أو لكثرة مغامراته التي يقلع عنها، كان، بالسهولة نفسها التي بها، يحصل عليها. سريعاً ما تتيقن جان أنها أخطأت خطأ العمر، وأن زوجها فظ، خشن، سمج، وسخ، بخيل بدناءة، مدمن على الشراب، متهالك على النساء. تيقنها متأخراً، كان، ولم يبق أمامها إلا أن تبدل وضعها كامرأة مهملة، بوضع أم فاحشة، وهذا تطور تقليدي تماماً. وحين تعلم، في المساء نفسه لزيارتها الأولى إلى "غيضة الحور" أن جوليان قصد روزالي إلى غرفتها، وأن هذه لم ترفض، لأنها وجدته "لطيفاً"، تصرخ: "هي أيضاً وجدته لطيفاً، لهذا، فقط، استسلمت، متعلقة بالحياة وكانت زهدت بكل أمل فيها، بلك المشاريع المنتظرة، وبكل مجهول الآتي. كانت وقعت في شرك الزواج، في هذا الثقب البلا حدود، لتعود من جديد، إلى هذا البؤس، هذا الحزن، هذا اليأس، لأنها هي، كما روزالي، كانت وجدته لطيفاً، وعلينا أن نذهب أبعد من هذا البؤس وهذا الحزن، لأنه، وهذا واحد من معاني الكتاب، حتى ولو لم يكن جوليان فظاً وزوجاً خائناً، لظل الزواج، مع ذلك، "الثقب البلا حدود". تفهم جان ذلك منذ عودتها إلى "غيضة الحور"، بعد رحلة الزواج، أسابيع في جزيرة كورسيكا، وكانت من الوقت الوحيد السعيد في حياتها "تتيقن، إذن، أن ليس بمقدورها شيء... أبداً ولا شيء... واقع الأيام الأولى الجميلة انقلب واقعاً يومياً أقفل الباب بوجه الآمال اللامحدودة، وبوجه كآبات المجهول العذاب. نعم، كان الانتظار يبس. انتهى، إذن، لا شيء للعمل، لا اليوم، لا غداً ولا في أي وقت". هذا هو وضع المرأة في زمن موباسان: لا شيء للعمل، الامحاء الكلي، وحدها تستطيع أن تقطعه، رحلة الزواج والتعاسة. رواية المرأة، رواية وضع المرأة، رواية أمان ومطالب نسائية ملأت القرن التاسع عشر بكامله، بضجتها المفيدة، تنتهي على العجز. ومما يزيد من شقاء جان، أنها كانت مدللة. وبدون توقف أو استراحة، راج زوجها يخونها. مرضت بحمى الدماغ، وأنجبت بصعوبة كلية مميزة. وتنجب، ثانية، ولداً ميتاً، ليختفي زوجها في ظروف مأساوية، ابنها يهرب مع مومس، ولا يرسل أية إشارة تدل على أنه حي، يستدين، يعرض بشرف العائلة، وهذا هو الانهيار بعينه، ترى كل من لها يموت، ومتصفحة رسائل أمها ليلة المأتم، تكتشف أن كان لها عشيق، وهكذا تفقد "آخر ثقة لها بآخر من كانت تثق به". تقرر ترك المكان وبيعه، ولو لم تعد روزالي، بأعجوبة، لكانت انتهت إلى مأوى.