من وجهة نظر السلطة الشرعية، وللمحافظة على وجودها ومكانتها، يجب أن لا تميل الكفة لأي من الطرفين، وأن لا يُخلّ بنظام التوزان القائم بين هذين العالمين، فـ "حين تخلّى الأستاذ العلماني عن لباقته الفكرية ورفع حدة انتقاداته لأهل الدين"، كان لا بد لها من كبح جماحه، "فاستدعوه إلى أحد الفروع وأفهموه بحزم أنه إذا كان كافراً فهم كفار أكثر منه."
كما أن وجهة نظر المتشددين الدينيين لا تقل خطورة، وإذا كان ثمة خطر حقيقي، فهو قادم من هذه الكتلة الغامضة، الجماهير، أي الشعب الذي يحتوي على ما هبّ ودب من أنواع البشر" "يجمعهم شيء واحد، غيرتهم على عقائدهم، ويخرج منهم رجل أو أكثر يترصده من مكان إلى مكان يراقب تحركاته ثم يعترضه عند منعطف ما، أو يباغته من خلفه في الشارع، يصرخ "الله أكبر" ويغمد خنجره في صدره أو ظهره". كما أن الأستاذ العلماني لا يأمن لرفاقه الحزبيين وعليه اتخاذ الحيطة منهم أيضاً ومن مكرهم.
سيكتشف القارئ الكثير من الحقائق والأحداث المثيرة من خلال لقاءات الأستاذ العلماني وصديق طفولته المتديّن، كما من خلال حواراتهما، حول الإيمان والإلحاد، وحول العلمانية كفكر وممارسة، وحول مفهوم الإرهاب الذي يمارس في الحقيقة من قبل جميع الأطراف على الساحة العملية.
في هذه الرواية الشيقة بأحداثها، والمثيرة بمواضيعها الساخنة الهامة، ينتقد الروائي كل أوجه الممارسات الفكرية في مجتمعنا، سياسية كانت أم فكرية علمانية أم دينية متشددة.
رواية عزف منفرد على البيانو - فواز حداد
رواية عزف منفرد على البيانو بقلم فواز حداد..تختصر هذه الرواية، حالة واقعنا العربي، وآثار الانتماءات الفكرية الموجودة فيه، على حياة الأفراد وعلى طريقة حياتهم، في عالمين متصارعين ومتنافرين من متدينين وعلمانيين، ونتائج تعامل وممارسات المنتمين إليهما داخل المجتمع، حيث يتخذ المكر والعنف وجهان لعملة واحدة تعكس القمع والخوف في نفوس الآخرين، وحيث تصبح كل الوسائل مشروعة في الدفاع عن المعتقدات، إن من قبل النافذين وأصحاب السلطة، أم من مجرد أفراد ملتزمين.