كتاب أنين الصواري بقلم علي عبدالله خليفة..من وحي الديوان جلست على شاطئ البحر تراقب الغروب...تصفحت الديوان الذي أهداها إياه والدها في عيدها الـ20 ... قرأت بصوت عالٍ ....
كفكف الدمع ولا ترضَ بحال
أن تكون امرأة بين الرجال
يا بنيَّ الموت حق، والزوال
نازلٌ بالكل إن شاء الإله.
بكت حال ذلك الصغير الذي توفي والده وتركه ليعمل كصبي في البحر((تباب))...بكت طفولته الضائعة في زمن الطغيان...وتمنت لو كان لها قدرات خارقة تعيدها للماضي البعيد...تمسح دمعه بكفيها وتحتضن رأسه لتخبره أنه سيكون يوماً إلهاما يغذي مخيلة شاعر مبدع فينثر على الورق درر من الكلمات...
هب نسيم عليل تطايرت معه خصلات شعرها الغجري...فتحت على قصيدة أخرى و قرأت...
زغردي يا خالتي يا( أم جاسم)
زغردي قد عاد طرًّاق المواسم
جهزي الحناء،هاتي الياسمين
هاكِ ماء الورد والعود الثمين
عطري (البشت) وأعطيني الخواتم.
أغمضت عينيها تاركتاً العنان لمخيلتها الصغيرة لأن تأخذها بين أحضان الشوق لذلك الرجل المغوار...قاهر البحر ، مقتحم الصعاب...خفق قلبها الصغير عندما تخيلت نفسها ترتدي ذلك الثوب المطرز...رأت غرفة صغيرة تتحول بفعل الشوق لقصر كبير...أخذت نفس عميق فأحست برائحة العود الممزوج بماء الورد والياسمين تملأ روحها عبقاً...
سقط الديوان من بين يديها...انحنت لتلتقطه فالتقط عنوان تلك القصيدة عيناها...وقفت كمن يلقي شعراً على الملأ و بدأت...
ويحهم قد أبحروا،ويح الشجون
ويح ما يجتاح أعماقي
ويطغى في جنون
ويح أيام تغذت من عذاب
ثم هدت جسمي البادي الغضون.
هاهمُ قد أبحروا..كل الرفاق
شرعوا بالشوق في بدء انطلاق
والمجاديف مضت في البحر..
عنفا واتساق
بينما تلك الصوراي في أنين...
هي والنهام في لحن حزين...
لا يطاق...
ابتسمت تحية لذلك الغواص الكادح الشجاع...قالت كمن يواسي أحدا:لو كنت ((النوخذة)) لما استغنيت عنك أبدا...لو كنت ((النوخذة)) لكنت أهم غواص لدي...نظرت للأرض بانكسار وهي تقول: ولكنني لست النوخذة...تنهدت وهي تراقب آخر شعاع شمسي يغوص في بطن البحر...صرخت تودع الشمس بأعلى صوتها...لوحت بيدها للأفق...وانطلقت عائدة لبيتها الصغير...
هذا بعض مما أوحى لنا به ديوان شاعر البحرين المبدع الأستاذ
علي عبدالله خليفة...وكم تمنينا أن نهديه لكم جميعاً...ونظراً لاستحالة الأمر فقد قررنا أن نقدم لكم ما جادت به مخيلتنا المتواضعة...علنا نهديكم قبساً من الماضي يدفعكم للبحث عن هذا الديوان القيم في بطون المكتبات.