كيف يحكم على الشريعة من لا دراية له بها، والجاهل بالشيء عدو له، وفاقد الشيء لا يُعطيه؟! كيف لا تصلح وهي من عند الخبير الحكيم الذي هو خالق العباد وهو أدرى بهم وبأحوالهم وبما فيه صلاحهم؟! كيف لا تصلح الشريعة للتطبيق في عصرنا وقد صلُحت لما يربو على ألف وثلاثمائة عام؟! كيف لا تصلح لتحكم نظمنا ومعاملاتنا، ومنها صنعنا حضارتنا، ومنها كانت قيمنا وأخلاقنا وخصائص ثقافتنا؟! كيف لا تصلح وقد جاءت بمبادئ العدالة التي يُفاخر القانونيون المعاصرون بها قبل أن يعرفوها بأكثر من ألف وثلاثمائة عام؟!
إن القانون الوضعي مهما ارتقى فإنه لن يكون حلًا أو علاجًا إلا بأثرٍ محدود أو فترة معينة، لأن فلسفته في النهاية منوطةٌ بعقول البشر القاصرة وبأفهامهم المحدودة المشوبة بتسلط الهوى والشهوة، وهنا تبرز مكانة التشريع الإسلامي الذي هو من صنع خالق البشر الأعلم بأحوالهم وما فيه صلاحهم وأدرى بما تؤول إليه عاقبة أمرهم، وهذا ما يجعل هذا الشريعة ضربًا فريدًا مُعجزًا من التشريعات والقوانين التي لم تعرفها البشرية من قبل ولن تعرفها بعدُ، إذ لا تتحكم في سنها الآراء، ولا تعبث في وجهتها الأهواء
وإعجاز التشريع الإسلامي ليس كأي إنجاز تشريعي تاريخي، بل هو إعجاز مُطلق متجدد غير محدود بزمان أو مكان ، فكلما ارتقى الناس في حياتهم وتقدمت حضارتهم تجلت قواعد الشريعة من نواحٍ أربع؛
الأولى: الأُسس التي قامت عليها
الثانية: المقاصد والغايات التي استهدفتها لتحقيق العدالة المطلقة بين الناس
الثالثة: المصادر المتنوعة التي استمدت منها أحكامها متمثلةً في القرآن والسُّنة فالإجماع والقياس والعرف ثم مذاهب الصحابة والاستصحاب والمصالح المرسلة والاستحسان وشرع من قبلنا ما لم يخالف شرعنا
الرابعة: الأحكام التي جاءت بها سواء من القرآن والسُّنة مباشرةً أو ما استمد منهما باستعمال أصول الفقه وضوابطه وقواعده الكلية والجزئية التي وضعها الفقهاء المسلمون
وقد انتبه فقهاء وفلاسفة القانون العالميون المعاصرون لإعجاز التشريع الإسلامي فنضحت مؤلفاتهم بانبهارهم ، ولم يتمالكوا التصريح في مؤتمراتهم بعلو كعب الشريعة في المجال التشريعي، والإقرار بأنها السبيل لخلاص البشرية البائس من ويلات القانون الوضعي وتبعاته المُجحفة، والحق الذي لا مرية فيه أنه مهما حاول الباحثون إبراز محاسن الشريعة ووجوه إعجازها فلن يوفوها حقها ولن يستوعبوا إلا قدرًا يسيرًا ضئيلًا من إيجابياتها ومحاسنها
والذي يفرضه علينا واجب الوقت هو تعريف المسلمين ببعض وجوه إعجاز شريعتهم، وتبين علو كعبها على باقي الشرائع، بل على أرقى تلك التقنينات، لأن ما لا يُدرك كله لا يُترك كله، وهذا الكتاب ما هو إلا مساهمة في تعريف المسلمين ببعض وجوه إعجاز التشريع الإسلامي في مجالات التجريم والعقاب والإثبات والمعاملات المدنية والأحوال الشخصية مقارنةً بما عليه العمل في التشريعات القديمة والتقنينات الوضعية، وهو لا يعني ببيان الأحكام الفقهية بقدر ما يعني ببيان فلسفة التشريع الإسلامي وحكمته في مجالات التجريم والعقاب والإثبات الجنائي والمعاملات المدنية والأحوال الشخصية كلٌ في فصل مستقل، مهدت لها بفصل احتوى على مبحثين؛ (الأول) في قضية الإعجاز في الشريعة الإسلامية مُسلطًا الضوء على مقومات وخصائص التشريع الإسلامي وأحوال الأمم وقت نزوله وقيمته عند القانونيين والمفكرين الغربيين، والمبحث (الثاني) حول المبادئ العامة للتشريع الإسلامي
كتاب إعجاز التشريع الإسلامي - محمد وفيق زين العابدين
كتاب إعجاز التشريع الإسلامي بقلم محمد وفيق زين العابدين..الحمد لله الذي اختص هذه الأمة بشريعة محكمة مباركة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، شريعة ربانية سماوية ثابتة لا تتبدل ولا تتغير ، شريعة دائمة مرنة عامة تتسع لحاجات البشر في كل زمان ومكان مهما تعددت ومهما تنوعت وكيفما تطورت ، شريعة سامية راقية غنية بالمحاسن ووجوه الإعجاز، ومن أحسنُ من الله حُكْمًا لقوم يوقنون ..هذه هي خصائص شريعتنا وبعض شمائلها، فيا للعجب من الاتهامات التي توجه لها .. تارةً بقصورها، وتارةً بقسوتها وغلظة أحكامها، وتارةً بعدم صلاحيتها للتطبيق!!
نحن نعمل على تصفية المحتوى من أجل
توفير الكتب بشكل أكثر قانونية ودقة لذلك هذا الكتاب غير متوفر حاليا حفاظا على حقوق
المؤلف ودار النشر.