كتاب الآن يا عُمر بقلم محمد وفيق زين العابدين..فإن للسُّنة منزلة عظمى في الدين، إذ هي في التشريع تلي الكتاب الكريم، وبها يعبد المسلمون ربهم، ومنها يستقون تعاليم دينهم، وإليها يتحاكمون، وبدونها لا يُدركون دقائق القرآن ولا يفهمون، فإنها خصصت العام، وأضافت أحكام، وأوضحت المُبهم، ودفعت ما يتوهم، وقيدت المطلق، وبينت المُجمل، وهي إحدى شرطي قبول الأعمال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ)، لذا فقد تكفل الله تعالى لعباده حفظها إلى يوم الدين، فقيض لذلك رجالًا من خيرة عُلماء المسلمين وأئمتهم الذين اشتقوا لأنفسهم اسمًا من اسمها،
فنفوا عنها اختلاق الكذابين وتحريف المُبتدعين ووهم الناسين، حتى كان ارتحالهم في طلبها ودقتهم في تناقلها عبر الأجيال بأخذها من الثقات عن الثقات وحرصهم على حفظها في الصدور قبل ضبطها في الصُحف سبيلًا لعصمة المُتمسكين بها من البدع والفتن والشرور
هذه صفحات بيَنت كيف حُفظت السُّنة - جملةً وتفصيلًا - بالأدلة المادية التاريخية والعقلية فضلًا عن الشرعية النقلية، مساهمةً في دفع شبهات المُشككين والطاعنين فيها، وهؤلاء الذين أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم الذين يقولون: (عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه)، وما طعنوا فيها إلا لبغضٍ وحقدٍ واستكبارٍ في نفوسهم، كما قال أبو عثمان الصابوني رحمه الله: (ما ترك أحد شيئًا من السُّنة إلا لكبر في نفسه)، وفي مقدمة هذا البحث فصلٌ في تعظيم الصحابة والسلف لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ تعظيم السُّنة من تعظيم صاحبها، والإيمان بحفظها وثبوتها في الجملة أدنى مراتب توقيره وتعزيره