كتاب إيران الدولة والأزمة بقلم مجموعة مؤلفين إيران بلد قديم، تعود جذوره الحضارية إلى أكثر من خمسة آلاف عام. وتعتبر إيران واحدة من أكثر الدول الإسلامية تنوعاً، سواء على الصعيد الإثني أو الصعيد الديني والطائفي. ولكن إيران أيضاً عرفت مؤسسة الدولة منذ قرون طويلة، باعتبارها مهداً لإمبراطوريات سابقة على الفتح الإسلامي،
وأخرى لاحقة عليه، أو باعتبارها جزءاً من أنظمة إمبراطورية أوسع. وقد كان تفكك المركز الإيراني دائماً باهظ التكاليف، مما جعل الذاكرة الإيرانية مسكونة بالخوف من الفوضى وفقدان الأمن. وبخلاف أغلب الدول العربية والإسلامية في الجنوب والغرب والشمال، لم تخضع إيران الحديثة للاستعمار الأوروبي المباشر. ولكن إيران، بالرغم من ذلك، وجدت نفسها مجبرة للتعايش مع رياح الحداثة، مما ترك آثاراً عميقة على بنية الاجتماع الإيراني، كما أصبحت منذ القرن التاسع عشر مسرحاً لصراعات القوى الغربية على المشرق الإسلامي، وساحة لتدافعات النفوذ الروسي البريطاني، والأميركي السوفياتي. وتعود الأزمات التي عاشتها إيران خلال العصر الحديث في جلها إلى تصاعد النفوذ الأجنبي ومحاولة الحركة الوطنية التحرر من هذا النفوذ. في 1978 و1979، شهدت إيران واحدة من أكبر الثورات الشعبية في القرن العشرين. كانت الثورة الإيرانية إسلامية القيادة والمحتوى والتوجه، ولكن تعقيدات مسألة الدولة في الفكر السياسي الشيعي، من ناحية، والتعقيدات المرتبطة بمحاولة إقامة نظام حكم إسلامي في عالم تهيمن عليه الثقافة والقيم الغربية الحديثة، وضعا الجمهورية الإسلامية في مناخ مستديم من الأزمة منخفضة الوتيرة نسبياً. ولكن المشكلة الكبرى التي تواجهها الجمهورية الإسلامية منذ نشوئها تتعلق بعلاقاتها بالقوى الكبرى، والولايات المتحدة على وجه الخصوص. فقد أصبح استقلال القرار الإيراني، والتحرر من النفوذ الأجنبي، في أساس شرعية الدولة والحكم منذ اللحظات الأولى لقيام الجمهورية. ومن ناحية أخرى، تواصل إيران سعيها منذ عقود لاكتساب قدرات دفاعية، تؤهلها للتحول إلى قوة إقليمية كبرى. وبالنظر إلى الأهمية الإستراتيجية لمنطقة المشرق العربي الإسلامي والخليح، تؤدي هذه التوجهات إلى تأزم علاقات إيران بعدد من القوى الغربية. ترتكز سياسة إيران الخارجية -على الصعيدين الإقليمي والدولي- إلى نهجين متداخلين من الراديكالية والبراغماتية. وتوظف إيران لخدمة هذه السياسة كافة أسلحتها، من القدرات المالية والاقتصادية، والتضامن الإسلامي، والولاء الطائفي، والثقل السكاني، والموقع الإستراتيجي. ولكن الملف الذي يرشح إيران منذ 2005 للتحول إلى واحدة من أكبر الأزمات العالمية هو ملف البرنامج النووي الإيراني ونشاطها ضد الدولة العبرية. يقدم الجزء الأول من هذه الورقة دراسة مختصرة لموقع إيران وجغرافيتها، لسكانها وتنوعها الإثني والطائفي، وللمحطات الرئيسة في تاريخها، لاسيما منذ ولادة الدولة الصفوية وتبلور كيانية إيرانية حديثة. وتتناول في جزئها الثاني الملف النووي الإيراني، وأثره في العلاقات العاصفة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأميركية، واحتمالات تعرض إيران لهجوم أميركي على خلفية من هذا الملف. إن الهدف الرئيس لهذه الورقة هو تقديم قاعدة كافية لفهم بنية إيران وسياساتها الحالية، ولفهم تطور أزمة الملف النووي، وما يمكن أن يتركه تصاعد هذا الملف النووي على هذه البنية.