كتاب الأيديولوجيا: نحو نظرة تكاملية بقلم محمد سبيلا..الإيديولوجيا ظاهرة اجتماعية وثقافية وسيكولوجية وسياسية ومعرفية، وليست فقط ظاهرة سياسية كما يتبادر إلى الذهن لأول مرة. نعم إمكان الباحث أن يختار منذ البداية أن يقصر دراسته على الإيديولوجيات السياسية، أي على الوجه السياسي للظاهرة الإيديولوجية كما يفعل جان بخلر في معظم كتابته أو بيار أنسار أو غيرهما. لكن هذا الاختيار المنهجي القصدي لا يلغي الأوجه والأبعاد الأخرى للظاهرة. لذلك اعتقد المنظور التكاملي للظاهرة الإيديولوجية، بمراعاة كل هذه الأبعاد، وهو وحده الكفيل بالكشف عن بنيتها وآلياتها ووظائفها وأشكال تجليها. وانطلاقاً من هذا التحديد ستقتصر هذه الدراسة -كاختيار منهجي- على معالجة كل هذه الأبعاد، باستثناء البعد الابستمولوجي المتمثل في دراسة علاقة الإيديولوجيا بالعالم، وذلك من حيث أن كل تحديد لأحدهما هو تحديد للآخر.
فالإيديولوجيا هي نقيض العلم، هي ما قبل العلم (باشلار)، أو هي العلم في صورته الجنينية قبل أن يحقق قطيعته الابستمولوجية، فكل ما ليس علماً فهو إيديولوجياً، وبالمقابل فإن العلم هو نقيض الإيديولوجيا، أو ما بعد الإيديولوجيا، فكل ما ليس إيديولوجيا هو علم. العلم هو الخطاب الوصفي الحيادي، الكمي، الدقيق، أما الإيديولوجيا فهي فكر قيمي وتعبوي، هدفه الأساسي ليس المعرفة بل العمل.
ولعل هذه الأوجه المختلفة والمتعددة لهذه الظاهرة يمكن أن تفسح المجال لمعالجة الأبعاد المختلفة للظاهرة الإيديولوجية في صيغتها الكلية: الاجتماعية والسياسية والمنطقية والسيكولوجية والابستمولوجية والفلسفية. فالبعد الاجتماع يبرز علاقة الإيديولوجيا بالمجتمع ككل وبمؤسساته المختلفة كالأسرة والمهنة والطبقة والمدرسة والثقافة وغيرها.
أما البعد السياسي فيخص علاقة الإيديولوجيا بالمنظومات والاختيارات السياسية، وبالسلطة والمؤسسات السياسية (الأحزاب، مؤسسات وأجهزة الدولة المختلفة، والنقابات، والمذاهب السياسية...).
هذا بينما ينصب البعد السيكولوجي على علاقة الإيديولوجيا -كظاهرة اجتماعية وفكر جماعي- بالذات وباللاوعي والعقل والوجدان والرغبة... الخ وهذا ما قام به العديد من الكتاب التحليليين ابتداءً من فرويد إلى كاييس ودادون وأسون و غيرهم.
بعد ذلك ننتقل إلى تحليل آلية "التفكير" الإيديولوجي في الفصل المعنون بـ"منطق الإيديولوجيا"، لننتهي في الفصل الأخير إلى التطرق إلى مدى ضرورتها أو عدم ضرورتها لنستكمل الخطوط العامة الأولى لنظرية تكاملية للإيديولوجيا، تراعي كافة مستويات وجودها وأدائيتها، كما تراعي مختلفة وظائفها الإيجابية والسلبية.