كتاب الإسلاميون وربيع الثورات: المُمارسة المُنتجة للأفكار بقلم نواف القديمي..يبدو أنّ الإرباك الفكري الذي أحدثته الثّورات العربيّة، لا يقلّ عن الإرباك السّياسي. ذلك أنّ مئات الأطروحات الفكريّة والفلسفيّة والسياسيّة التي تحدّثت على امتدادِ عقودٍ عن: التّغيير، وأسباب التّقدم، ومعوّقات النّهضة، ومأزق التحوّل الدّيمقراطي، وإشكالية البُنى الاجتماعيّة القابلة للاستبداد؛ قد أخفقت في التنبؤ بحدوث مثل هذا السيناريو. وإذا كانت مفردة "ثورة" لا تنطبق إلّا على الثّورات التي يكون هدفها "الحُريّة"
كما قرر الفيلسوف الفرنسي كوندورسيه [ Condorcet) [1) فإنّ فكرة الثّورة من أجل الحُريّة والدّيمقراطيّة (أي لا نعني ثورات خُبزٍ، أو ثوراتٍ طبقيّة بالمعنى الماركسي) ظلّت دومًا خارج الفضاء التّداولي للأطروحات التي درست الواقع العربي واستشرفت مستقبله، ولم يتوقّعها حتى أكثر المُفكّرين راديكاليّةً.
وإذا كانت بعض الدّراسات الحديثة والمقالات التي علّقت على الثّورات العربيّة، قد تبنّت نظريّة لينين، القائلة بأنّه لا يُمكن أن تنشأ ثورةٌ في بلدٍ لم يكن يعيش "حالةً ثوريّةً"؛ فهذا يُعيدنا إلى التساؤل الأوّل: لمَاذا لمْ يتحدّث الباحثون قبل اشتعال الثّورات عن هذه الحالة في العالم العربي، ولا اكتشف أيّ واحدٍ منهم وجودها؟
أمّا حديث بعض النّاشطين السّياسيّين عن قرب حدوث ثورات (مثلما تفعل قناة الجزيرة، من خلال التقاط كلماتٍ صادرة عن أشخاص في برامج فضائية قبل الربيع العربي، وتتحدّث عن ثورات قادمة)؛ فلا يمكن عدُّه "تنبؤًا ناتجًا عن تحليل"، لأنّ كثيرا من هؤلاء يتحدّثون منذ ثلاثين عامًا عن قرب حدوث ثورات! وهم حين يردّدون ذلك لا يتّكئون على تنظيرٍ فكريٍّ، بقدر ما يُمارسون تعبئةً سياسيّةً. وغالبًا ما يدخل هؤلاء الأشخاص تحت تصنيف النّاشط لا المُنظِّر، ومن ناحية الخِطاب؛ هم أقرب إلى الشّعبويّة السّياسيّة منهم إلى الفضاء التّحليلي.