نبذة عن الكتاب : إن إظهار سير علماء الأمة وأكابرها دين على رجالاتها وكلما مات إمام وفقد زاد الدّين ، وما أكبره ، وفي هذا الكتاب نجد إسهاماً جاداً في تجلية سيرة علم من أعلام القرن الثالث عشر الهجري المغمورة سيرهم ألا وهو الإمام محمد عابد السندي مولداً ، والجدي – نسبة إلى مدينة جدة – ثم اليمني مقاماً ونشأة ثم المدني مستقراً ووفاه .
وقد سلك المؤلف في دراسته الترجمة الطريقة التاريخية التحليلية ، أظهر من خلالها بجلاء شخصية هذا الإمام سواء العلمية أو العملية وما لهذا الإمام من تفنن في علوم كثيرة من تفسير وقراءات ، وحديث رواية ودراية ، وفقه ، وطب مع صلاح وورع ودين وخلق كما أظهرت - عندما تحدث عن مصنفات هذا الإمام - ماكان يتميز به من إمامة خاصة في الفقه والحديث واستحضار عظيم للسنة ، كما عرفت عددا كبيرا من مؤلفاته المخطوطة وغير ذلك مما يتعلق بترجمته ، وقد جعل المؤلف الدراسة في مقدمة وتمهيد وخمسة أبواب وخاتمة فخص التمهيد للمحات الحياة التي عاصرها الشيخ محمد عابد والباب الأول : في التعريف بشخصيته والباب الثاني في أخلاقه وخصاله والباب الثالث : في ثناء العلماء عليه ومكانته بينهم والباب الرابع : في نشأة الشيخ العلمية ورحلاته وذكر شيوخه وتلاميذه والباب الخامس : في العلوم التي برع فيها وبيان مصنفاته وآثاره ثم الخاتمة والفهارس .
الخلاصة : قال المؤلف في الخاتمة : وقد كشفت لنا هذه الدراسة عن كنوز مخبآت ، وعن جواهر ثمينة ، ودرر يتيمة ،قل من عاينها واطلع عليها ، فأبهج نفسه بجمالها ، وشنف سمعه بسماع أخبارها .
- فقد عرفنا من خلالها أخبار كوكبة نيرة من كبار علماء السند وفقهائهم ، من أحفاد سيدنا أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ، منهم جد الشيخ محمد عابد ، وهو شيخ الإسلام القاضي الواعظ الإمام المحقق الشيخ محمد مراد السندي الأنصاري ، ومنهم عمه العلامة الفقيه الحنفي المحقق ، الطبيب الحاذق الشيخ محمد حسين السندي الأنصاري ، وكذلك والده العلامة الفقيه الشيخ أحمد علي السندي الأنصاري .
وغيرهم من سلسلة آبائه وأجداده ، تلك السلسلة الذهبية التي توارثت العلم أباً عن جد ، ولم يخل عن الفضل والعلم منها أحد .
- كما وقفنا على صلة الشيخ محمد عابد الوثيقة بحكام اليمن ، حين أقام فيه أكثر من ثلاثين سنة ، وكيف كانت متوجة بالنزاهة والزهد والورع
- واستفدنا دروساً عظيمة ، فيها عبر وعظات ، وذلك من خلال ذكر أخلاقه الكريمة ، وأدبه العالي الجم الفريد .
- ورأينا مكانته العالية المرموقة بين علماء عصره ، فقد كان مرجعهم العلمي ، الذي يفزعون إليه في حل عويصات مسائل العلم ، وهذا قبل أن يكون رئيساً لعلماء المدينة المنورة ، وأما بعد فمن باب أولى .
- وتم التعرف على أسماء وأخبار شذرة كريمة من شيوخ الشيخ محمد عابد وتلاميذه ، والذين يمثلون فترة زمنية علمية ، لم تحظ بدراسة وافية تؤدي حقها .
كما تم الوقوف على صور ملفتة للنظر فخراً وإعجاباً ، من نشاط الشيخ محمد عابد العلمي ، مما له أثر كبير في شحذ الهمم ، وتقوية العزائم .
- وهكذا عرفنا إمامته في علوم كثيرة ، وبالأخص علم الفقه وعلم الحديث ، وكونه كان طبيباً ناجحاً حاذقاً للغاية .
- ففي الحديث كان آية باهرة في حفظه واستحضاره ، فإذا ماحدّث من ذاكرته ، فكأنما يملي من كتاب ، وكان يقرئ الكتب الحديثية الستة في الحرم النبوي في شهر واحد رواية ، ودراية في ستة أشهر .
- وفي علو إسناده كان فريداً ، فبينه وبين الإمام البخاري صاحب الصحيح تسعة رجال ، ولذا كان يقول : لمثلي فليُسْعَ ، لأن بيني وبين البخاري تسعة .
- وكان من أبرز أعمال هذه الرحلة مع هذا الإمام العلم ، زيارتنا لمكتبته العامرة العظيمة النادرة ، التي وقفها على المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة ، والتي لازالت عامرة يستفاد منها ، تبتسم لناظرها ضمن مكتبة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة .
- وقد أهدت إلينا هذه الدراسة تحَفاً من مصنفات الشيخ محمد عابد ، وآثاره العلمية النادرة في مثالها ، والتي لازالت حبيسة دور المخطوطات ، تنتظر من يحنو ويعطف عليها ، لإبرازها ، ونشر نُوْرها ونَوْرها الفوَّاح .
ومن أعظم هذه التحف :
1- طوالع الأنوار شرح الدر المختار (في فقه السادة الحنفية) .
هذه الموسوعة الفقهية الضخمة ، التي بلغت عدد لوحات إحدى نسخها عشرة آلاف لوحة .
2- المواهب اللطيفة شرح مسند الإمام أبي حنيفة .
وهو من أعظم شروح المسند ويقع في أزيد من ألف لوحة مخطوطة .
3- معتمد الألمعي في حل مسند الإمام الشافعي .
وهو في أزيد من خمسمائة لوحة مخطوطة .
4- منحة الباري في جمع روايات صحيح البخاري .
وهو كتاب ليس له مثيل ، ولم ينسج أحد على منواله ، ويقع في نحو خمسمائة لوحة مخطوطة .
وغيرها من مؤلفاته الكثيرة ، والتي كان منها رسائل فريدة في بابها .
- وكان أبرز ما يطالعه القارئ في هذه الترجمة ، تلك الدراسة الفقهية المفصلة ، التي تمت على كتاب طوالع الأنوار ، مع مقارنته بالشروح المطبوعة للدر المختار ، لإبراز ميزة كل منها .
- ومن خلالها أيضاً وقفنا على جمع من الأعمال العلمية التي قامت على كتاب الدر المختار ، من شروح وحواشي وتعليقات ، والتي بلغت خمسة وعشرين عملاً ، مع بيان مؤلفيها ، وأماكن وجودها ، وحجمها ونحو ذلك ، مما لم يجمع في غير هذا المكان .
وعرفنا أيضاً المنهج الفقهي للشيخ محمد عابد ، وسعة صدره في مسائل الخلاف ، فهو حنفي مقلد لمذهب السادة الحنفية، مع اهتمامه الشديد بالأدلة ، ولكنه إذا ما بدت له قوة أدلة مذهب آخر في مسألة معينة ، تراه يرجح ما رجحه الدليل ، مع كل أدب واحترام لرأي غيره .
- وهكذا أهدت إلينا هذه الدراسة عند ذكر شرح الشيخ محمد عابد لمسند الإمام أبي حنيفة ، ومسند الإمام الشافعي ، ما قام به من تحقيقات نادرة فيهما ، مع التعرف على بقية شروح كل من المسندين ، ومزية كل واحد منها ، مع مقارنة نص من شرحه لمسند الإمام أبي حنيفة مع شروح أخرى .
* هذا ، وأنا على يقين تام ، أنه لو تهيأت الأسباب والظروف أكثر من هذا لدراسة مؤلفات هذا الإمام العظيم دراسة وافية متأنية ، وبعمق ودقة ، يظهر لنا من العلوم والمنح والمواهب عنده ، أكثر بكثير مما وقفنا عليه ، مما لايمكن إبرازه بهذه الدراسة العجلة ، والحمد لله على كل حال .
كتاب الإمام محمد عابد السندي الأنصاري - سائد بكداش
كتاب الإمام محمد عابد السندي الأنصاري بقلم سائد بكداش..الإمام الفقيه المحدث الشيخ : محمد عابد السندي الأنصاري رئيس علماء المدينة المنورة في عصره ولد سنة 1190هـ تقريبا , وتوفي سنة 1257هـ رحمه الله تعالى
تأليف الأستاذ الدكتور : سائد بكداش
عضو هيئة التدريس في جامعة طيبة بالمدينة المنورة