كتاب البلاء الشديد والميلاد الجديد بقلم فايز الكندري .. كانت اللحظات الأخيرة في غوانتنامو من أصعب اللحظات كما كانت الأولى فيها، إنها كطعنة السكين، دخولها مؤلم وخروجها مؤلم، لكنّ الألمين مختلفان، يشتركان في القلق من المجهول، كداخل النفق حين يتوجس مما يكتنفه الظلام الموحش، والخارج منه حين يقلق مما يخفيه النور في أحشائه، ليس العجب من وَجَل الحُرّ من صلصلة القيود إنما العجب من رهبة الأسير من زغاريد البشائر، كم هو مؤلم أن تقف على أعتاب الحرية قلقاً منها، كطفل صغير يتطلع إلى المشي والجري والقفز لكنه قلق من السقوط، يتردد بين الحبو والنهوض.
إن ما أذكره في هذا الكتاب قد وقع فعلاً، قصص هي أقرب إلى الخيال، عشتها لحظة بلحظة أربعة عشر عاماً، لأضعها بين أيديكم دون بخس أو شطط، فإن بلغت قلباً حيّاً يبحث عن الحقيقة ويخلص لها فله كُتِبَت، وإن صادفت عيوناً متربصة وقلوباً حاقدة تفتش عما يدين، وتبحث عما يسوء، ترى بطش الظالم فلا تبصر، ويصلها أنين المظلوم فلا تسمع،وتدعوها الحقيقة فلا تعقل بل تأبى أن تعقل، فلتبحث لها عن كتاب آخر تتسلى فيه، فإن هذا الكتاب لم يُكتب لمن لا يحمل بين جنبيه قلباً إنسانياً.