كتاب مهارات التفكير الناقد دراسة نظرية وتطبيقات عربية وعالمية بقلم محمد عبد السلام ... التفكير سمة من السمات التي تميز الإنسان عن غيره من الكائنات الأخرى، وهو مفهوم تعددت أبعاده واختلفت حوله الآراء مما يعكس تعقد العقل البشري وتشعب عملياته، ويتم التفكير من خلال سلسلة من النشاطات العقلية التي يقوم بها الدماغ عندما يتعرض لمثير يتم استقباله من خلال واحدة أو أكثر من الحواس الخمس المعروفة ، ويتضمن التفكير البحث عن معنى ، ويتطلب التوصل إليه تأملاً وإمعان النظر في مكونات الموقف أو الخبرة التي يمر بها الفرد. ومن خلال التفكير يتعامل الإنسان مع الأشياء التي تحيط به في بيئته ، كما أنه في الوقت ذاته يعالج المواقف التي تواجهه بدون إجراء فعل ظاهري، فالتفكير سلوك يستخدم الأفكار والتمثيلات الرمزية للأشياء والأحداث غير الحاضرة أي التي يمكن تذكرها أو تصورها أو تخيلها. ويستخدم الإنسان عملية التفكير عندما يواجه سؤال أو يشعر بوجود مشكلة تصادفه، والعلاقة بين التفكير والمشكلة متداخله حيث أنهما وجهان لعملة واحدة، فالتفكير لا يحدث إلاّ إذا كانت توجد مشكلة يشعر بها الفرد وتؤثر فيه وتحتاج إلى تقديم حل لها لاستكمال النقص أو إزالة التعارض والتناقض مما يؤدي في النهاية إلى غلق ما هو ناقص في الموقف وحل أو تسوية المشكلة. والتفكير فريضة أرسى أسسها الإسلام ورسخ مهاراتها في عقول أبنائه، فليس هناك دين أعطى العقل والتفكير مساحة كبيرة من الاهتمام مثل الدين الإسلامي وعندما يخاطب القرآن الكريم الإنسان المسلم فإنه يركز على عقله ووعيه وتفكيره، ولأهمية التفكير للإنسان المسلم وردت كلمة تفكير أو مرادافاتها (يتفكرون – يبصرون – يعقلون – يتذكرون.. إلخ ) مرات عديدة في القرآن الكريم. وحظي موضوع التفكير بإهتمام العديد من الباحثين والمربين حتى بات من أكثر الموضوعات دراسة وبحثا في مجال علم النفس التربوي، وقد عنيت جميع المدارس الفلسفية والفكرية والتربوية بتنمية الفكر والتفكير لكي يصبح الفرد أكثر قدرة على مواجهة الصعوبات والمشكلات التي تعترض سبيله في شتى مناحي الحياة سواء أكانت اجتماعية أم اقتصادية أم تربوية أم أخلاقية أم غيرها. ويتميز التفكير عن سائر العمليات المعرفية بأنه أكثرها رقيا وأشدها تعقيدا واقدرها على النفاذ إلى عمق الأشياء والظواهر والمواقف والإحاطة بها مما يمكنه من معالجة المعلومات وإنتاج وإعادة إنتاج معارف ومعلومات جديدة بموضوعية دقيقة وشاملة مختصرة ومرمّزة. ويعد التفكير الناقد من الموضوعات المهمة والحيوية التي انشغلت بها التربية قديماً وحديثاً، وذلك لما له من أهمية بالغة من تمكين المتعلمين من مهارات أساسية في عملية التعلم والتعليم؛ إذ تتجلى جوانب هذه الأهمية في ميل التربويين على اختلاف مواقعهم العلمية على تبني استراتيجيات تعليم وتعلم مهارات التفكير الناقد (Critical Thinking Skills). إذ إنّ الهدف الأساسي من تعليم وتعلم التفكير الناقد هو تحسين مهارات التفكير لدى الطلبة، والتي تمكنهم بالتالي من النجاح في مختلف جوانب حياتهم، كما أن تشجيع روح التساؤل والبحث والاستفهام، وعدم التسليم بالحقائق دون التحري أو الاستكشاف كل ذلك يؤدي إلى توسيع آفاق الطلبة المعرفية، ويدفعهم نحو الانطلاق إلى مجالات علمية أوسع، مما يعمل على ثراء أبنيتهم المعرفية وزيادة التعلم النوعي لديهم، وتزداد أهميته إذا ما اقتنعنا بوجهة النظر القائلة أن التعلم تفكير. ويأتي هذا الكتاب لمعالجة موضوع من الموضوعات المهة ، وهو التفكير الناقد، ويتناول الكتاب موضوع التفكير الناقد من عدة نواحي، فيبدأ في البداية بتعريف التفكير، ثم يتطرق للتفكير الناقد من حيث تعريفه وماهيته، ثم يتناول المهارات المحورية للتفكير الناقد، كما يتعرض لتطبيقات التفكير الناقد في مجتمعنا العربي وكذلك يعرض لتجارب عالمية.