كتاب الدولة الحديثة بين الحقيقة و التزييف

تأليف : عبد الحليم عويس

النوعية : التاريخ والحضارات

كتاب الدولة الحديثة بين الحقيقة و التزييف بقلم عبد الحليم عويس..تثير لفظة الدولة بادئ ذى بدء فكرة السلطة، السلطة الفعالة والمحمية والمنظمة، فالدولة نوع من التنظيم الاجتماعى الذى يضمن أمنه وأمن رعاياه ضد الأخطار الخارجية أو الداخلية وهو يتمتع لهذا الغرض بقوة مسلحة وبعدة أجهزة للإكراه والردع ولا توجد دولة بلا درجة عالية من الانسجام الاجتماعى والتنظيم والدولة، مع كل قوتها، يجب أن يحكمها القانون الذى يحكم الشعب ويعبر عن ذاته وحضارته،

ويرى الدكتور عبد الحليم عويس مستشار رابطة الجامعات الإسلامية فى أحدث مؤلف له أنه يوجد نوعان من الدول نوع حقيقى ونوع مزيف، وأننا نعيش فى دولة حديثة مزيفة صنعها الاستعمار، وساعده على ذلك أن العقل العربى عقل فردى وجزئى لا يحاول أن يعى حقيقة القطار الذى أركبه فيه العقل الاستعمارى وهو قطار الدولة الذى حرص الاستعمار على صناعته، بل وعلى الإكثار من عرباته والياته ولقد وقف الاستعمار عندما شعر بحتمية خروجه العسكرى من بلاد المسلمين وراء كل محاولات إنشاء الدول بل وكل محاولات إنشاء الدولة الحديثة منشغلة بالجزئيات والمشكلات اليومية والعلاقات الجزئية والإنجازات الصغيرة من بناء مستشفيات ومدارس ورصف طرق وتوفير الحد الأدنى لبناء الحياة فى مستواها الإنسانى الأدنى من البحث عن شروط النهضة ومؤهلات الحضارة والموقع الحضارى الخصوصى لها أو قسماتها الحضارية التى لا يجوز أن تبيعها أو تساوم عليها والتصاميم التى يجب أن تأخذها أو تسرقها كما سرقت اليابان أحيانا من الأخريين؟ ففى معظم هذه الدول وزارات تسمى وزارات التخطيط، لكنهم ينظرون إليها على أنها وزارات ثانوية ويعتبر وزيرها وزيرا من الدرجة الثانية، فوزارته ليست من الوزارات الاستراتيجية أو الحكم الأساسية ولكن أهم ما يقدمه الدكتور عويس فى هذا المؤلف هو بيانه أولا خصائص الدولة الحقيقية والتى وصفها: أنها دولة ولدت بتطور داخلى وبتكافؤ بين المستوى الحضارى والصعود السياسى أنها دولة تستمد وجودها من الشعب والعقيدة، أن أمن الشعب والوطن فيها فوق أمن الدولة أن الدين واللغة والتربية والتاريخ لا مساومة عليها أن كرامة المواطن فيها من كرامة الوطن، إن بها نسبة مقبولة بين أقوال الدولة وأفعالها الرأى الآخر صمام أمان للدولة، وثانيا خصائص الدولة المزيفة والتى منها، أنها ولدت بعوامل خارجية وبدون تكافؤ بين المستوى الحضارى والتسلط السياسى، إنها دولة يستمد الشعب وجوده منها، أمن الدولة فيها أولا والدولة فوق الوطن الحاكم أكبر أجزاء الدولة ولا يخرج من الحكم إلا بإقبال الموت عليه، الوزراء سلطة شكلية وتستمر رحلتنا مع رحلة الدكتور عويس مع الدولة الحديثة فيذكر أن الدولة الطبيعية تتجه نحو الوحدة فى المادة والنظم والفكر والشعور صعودا إلى وحدة الدولة الحضارية أما الدولة المزيفة التى صنعها الاستعمار على عينه، فهى تتجه بطبيعة تركيبها المتناقض نحو التجزئة والتقسيم والصراع على الحدود مع الجيران ويبين الدكتور عويس أن الأصل فى وظيفة أجهزة الردع والقوة فى الدولة أنها لحماية حقوق الإنسان عامة وحقوق المواطن خاصة ولهذا كان لابد أن تكون الدولة قوية، فالدولة الضعيفة لا تستطيع حماية نفسها ولا حماية شعبها ولهذا يرى جاك دوفابر أن الضمانة الأولى للحقوق هى توافر دولة قوية، وبالتالى فقوة أجهزة الدولة من شرطة وعسكريين، ورجال نيابة عامة، ضرورى لأمن الشعب، وليس فقط لأمن الدولة، فإن الشرطة تحمى أو يجب أن تحمى حياة الأفراد وأموالهم، وعلى الدولة أن تمارس سلطة التحكيم الأعلى فى النزاع المستمر بين القوى الاجتماعية جميعا ويتساءل الدكتور عويس فى كتابه هل يستطيع أحد أن يستغنى عن الدولة؟، ويجيب قائلا وهل يمكن أن تقوم قرية دون عمدة أو قبيلة دون شيخ أو أمارة دون أمير أو حاكم ينظم شئونها يخضع رعيتها بوسائل ومؤسسات وأفراد يعاونونه؟ ويبين أن الدولة المستقلة هى التى تملك قرارها والتى تستطيع أن تحقق لشعبها الطعام والأمن وتوفر لهم مطالب الحياة المعيشية والسبل الكفيلة بتقدمهم ومواكبتهم للمراحل الحضارية المختلفة، وتوازن لهم بين الواجبات المفروضة عليهم والحقوق المفروضة لهم هذه الدولة ليست حلما ولا فكرة ولا مجرد عقد اجتماعى بين حاكم ومؤسساته، ومحكومين ومؤسساتهم، بل هى ضرورة من ضرورات الاجتماع الإنسانى والحضارة البشرية فالدولة بمؤسساتها لازمة من لوازم الاجتماع الإنسانى وكل من يسعى إلى هدم أو تبديد طاقاتها أو توجيهها إلى قضايا بعيدة عن التحديات الحقيقية والمهام الأساسية يرتكب خطأ كبيرا فى حق نفسه وذويه ووطنه ودينه وفى نهاية الكتاب ينتهى بنا المؤلف إلى النتيجة التى يريد أن يوصلنا إليها، إن الدولة فى المحيط العربى والإسلامى، تلك التى تزعم إنها استقلت وانعتقت من إسار الحضارة الأوروبية وعادت إلى ذاتها وجوهرها أن تترجم فى فكرها ومؤسساتها وتربيتها لأبنائها إعلانها هذه الطبيعة الحضارية الإسلامية والعربية التى تنتمى إليها، لا أن تترجم بل وتحارب فى سبيل التعبير عن الحضارة الاستعمارية بكل حروفها الكنسية واللادينية إن بقاء هذه المؤسسة فى رأيه هذه الدولة يعد هذا الاستقلال الوهمى فى خندق الخصم الحضارى مترجمة عن قيمة وعقائده وفلسفته فى الحياة، لا يمكن أن يقبله منطق الأمور فإذا كان ما يسمى بالدولة فى العالم الإسلامى يحقق الأهداف الاستعمارية نفسها بل وبضراوة أحيانا ويتقدم يوما فيوما لكى يذيب شعبه فى الفلسفة والقيم الأوربية نفسها، فإن هذه المؤسسة إذن ليست إلا مؤسسة عاجزة عن التعبير عن حضارة الأمة التى تنتمى إليها وهى بهذا الإطار أقرب إلى التعبير عن الحضارة الاستعمارية المعادية، وعليها بالتالى إن تسحق شعبها وأن تدخل فى معركة تدمير كبرى بالتربية والأعلام والشرطة لكل فرد ولكل بيت، وتكون بالتالى قد قامت بأروع دور يحلم الاستعمار به، وفى المقابل قدمت أكبر نموذج للخيانة العظمى فى التاريخ، أنها خيانة مركبة شائنة خيانة لله، وللدين وللنفس وللحضارة وللوطن فضلا عن شئ خطير يقدمه لنا المؤلف هو أنها لن تنجح فى ذلك فقد فشلت الشيوعية فى ذلك أمامنا فشلا ذريعا، بعد أكثر من نصف قرن من التدمير والسحق للفرد والأسرة والمجتمع ولم تصلح عملية الانسلاخ الحضارى التى حاولتها الدولة الشيوعية فى موسكو أما عن الحل لمشكلة الدولة فيراه فى الدعوة الإسلامية بفكر يقاوم الفكر الضاغط بدعوة قد يجد فيها الخصم إذا احسنا طرحها جسرا يلتقى به معنا، ويجد نفسه مضطرا لتعديل موقفه الأخلاقى والحضارى منا ذلك لأنه هو نفسه فى حاجة ماسة إلى الدعوة إنها علاج لكثير من أمراضه المدمرة، وتعديل لصياغته للحياة لكنه وهو فى هذا الوضع القوى، وهذا التيه، لا يتصور أن أمثالنا من الشراذم المتخلفة المتدثرة بعباءات هشه تسمى دولا يعرف هو نفسه حقيقتها أكثر بالطبع مما نعرف نحن لا يتصور أن أمثالنا من المتهالكين المستهلكين يمكن أن يكون لديهم المنهج الصحيح لعلاج حضارته، ولعلاج الإنسانية جمعاء.

شارك الكتاب مع اصدقائك