لقد فقد النقاش العقدي حول نقد الدين طرافته. وآن الأوان لتدشين النقاش المدني الكبير حول نقد الحرية في مسائل الضمير. لم يعد السؤال عن العقيدة تفتيشًا ولا تكفيريًّا من قبيل: هل أنت مؤمن أم لا...؟ أو من أيّة ملّة ؟ أو على أيّ مذهب أنت ؟ بل صار سؤالًا حيويًّا وعموميًّا عن آداب الرجاء المناسبة
لطبيعتنا البشرية، من جنس: كيف يكون إيمان الأحرار في ظلّ دولة مدنية؟ وأيّ دين هو أقدر على ترسيخ حقوق الحياة الحرة في الكرامة وفي الاحترام الكوني ؟ وخاصة: كيف نعيد إلى الدين الأصيل قدرته على الحرية الموجبة ؟ - لا يمكن لديانة المعتقدات والطوائف أن تدّعي لنفسها احتكار أيّ ضرب من الخلاص أو الوعد بأيّ وسائل رحمة خاصة بأتباعها تُنعم بها عليهم دون غيرهم من سائر البشر. كما أنّه لا يمكن لأيّ دولة أن تدّعي أنّ شعبًا من الشعوب لم ينضج بعد لحريته الدينية. - وحده دين قائم على العقل البشري الكوني أو لا يتناقض معه يحقّ له أن يدعو الإنسانية المستنيرة إلى التحلي بإيمان حرّ لا فضل فيه لأيّ مناسك على أخرى إلاّ بمدى قدرتها على الاستجابة الأخلاقية المناسبة للمعايير الكونية للعيش الكريم. إذ وحده مؤمن حرّ بإمكانه أن يكون مواطنًا صالحًا. ولا خوف على الدين من دولة الحرية. - تلك هي بعض ملامح الحداثة الدينية التي أشار إليها كانط في هذا الكتاب وحثّ العقول المعاصرة على النهل منها دون توجّس أو وجل