بتأمل تجربة إنسانية شاملة، يتأمل محاولات الإنسان المضنية من أجل التخلص من براثن طبيعة هوجاء لا ترجم لكي يحتمي بعالم ثقافي (رمزي) يمنحه الدفء والطمأنينة ويوفر له التفاسير الممكنة للظواهر الطبيعية والاجتماعية على حد سواء. وبعبارة أخرى، إنه يبحث في التراث السلوكي والذهني الذي خلفه الإنسان عن الأسس الفلسفية التي تحدد كنه العلامة باعتبارها اللبنة الأساس في سيرورة السميوز (السيرورة المنتجة للدلالات وتداولها). ومن هذه الزاوية يمكن اعتبار هذا الكتاب تأريخاً لرحلة الإنسان مع الرموز وأشكالها المتعددة، أو هو، نتيجة لهذه الرحلة، تأريخ للرؤى الدينية والفلسفية التي رأت في الطبيعة رموزاً تنوب عن قوى أخرى غير مرئية، أو "هي الصوت الذي يحدثنا الله عبره عن قدرته" كما هو شائع في كل الديانات المساوية المعروفة. ولهذا فإن التاريخ لا يحضر في هذا الكتاب باعتباره تسييجاً لمحطات مرئية ومثبتة في التاريخ العام، بل يمثل أمامنا باعتباره كما زمنياً نقيس من خلاله درجة نمو الأشكال الرمزية وتطورها وتعقيداتها المتصاعدة.
كتاب العلامة تحليل المفهوم وتاريخه - أومبرتو إيكو
لهذا الكتاب طابع خاص، فهو لا يقدم لنا تاريخاً خاصاً بالنظريات السيميائية التي عرفتها الأزمنة المعاصرة، ولا يحدثنا عن المردودية التحليلية للمنهج السيميائي -إن كان هناك حقاً منهج سيميائي-، ولا يحدثنا عن الأسماء الكبيرة التي صنعت مجد السيميائيات الحديثة وشهرتها، وإنما يكتفي