نقدم في هذا الكتاب ترجمة لنصوص تحدد وتناقش مسألة المصالحة والتسامح والصفح التي ترتبط في زمننا بتحول أو إرادة للتحول نحو مجتمع الحرية والديمقراطية والعدالة لتجاوز عهد الظلم والظلام بكل أشكال وصوره. لكن لا يخفى أن تصفية تركة مرحلة الطغيان وما يتعلق به من
مستويات لا يتم بمجرد قرار يؤدي للمصالحة لأن لهذا النوع من المواقف والقرارات تبعاته الفكرية والسياسية والنفسية والثقافية والاجتماعية والقانونية التي لا يمكن التغاضي عن تشعبها. في هذا السياق تأخذ هذه النصوص أهميتها: لإنها تذهب بعيدا في طرح الأسئلة المباشرة مع إبراز خلفيتها التي لاترى لأول وهلة، لكنها تحضر بكل ثقلها عندما تتجاوز عتبة الاتفاق العام إلى وضع الموقف الكلي موضع التنفيذ. إن سؤال الصفح وسؤال النسيان يلتقيان في تهدئة الذاكرة والوصول إلى نوع من النسيان السعيد، لكنهما ينفصلان عند الإحالة إلى إشكالية الذاكرة والوفاء إلى الماضي الذي يفتح الصفح على المسؤولية الجنائية. من هنا تأتي سياسيات الذاكرة كما تظهر في روح العفو والعفو العام أو التقادم أو جبر الضرر أو التعويض وغيرها من الإجراءات التي تتجه لبناء المستقبل.